رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

يا سيسي إياك وغضبة الحرافيش



بما أننا في رحاب الذكرى التاسعة لرحيل أديبنا العالمى نجيب محفوظ، وفى هذه المناسبة تنهال علينا وعبر العديد من المحطات الفضائية عروض لبعض أعماله الأدبية التي تحولت لأفلام سينمائية، وبما أن أدب نجيب محفوظ كان مغرقا في المحلية إلى أبعد مدى، خاصة حال المجتمع المصرى منذ مطلع القرن العشرين وحتى منتصفه، فقد ركز على الحارة المصرية باعتبارها نموذجا حيا للتفاعل الاجتماعى يحاكى الحالة العامة للمجتمع المصرى، وكان دائما يصور الحاكم على أنه فتوة الحارة، بينما الغالبية العظمى من سكان الحارة هم الحرافيش الذي يقوم الفتوة بحمايتهم واستغلالهم وقهرهم في ذات الوقت.


ودائما ما كان يبرز حالة الصراع على لقب فتوة الحارة أو فتوة الحرافيش على أنه الصراع على السلطة، ودائما تكون حالة الصراع بين الفتوات بعيدة كل البعد عن الحرافيش فهم دائما متفرجين ولا يقومون بفعل إيجابى إلا نادرا، فهم يقفون ليشاهدوا حالة الصراع والمنافسة والنزال بين الفتوة القديم والفتوة الجديد وعندما ينتصر أحدهما على الآخر يقفون في صفه ويهتفون بحياته، ولم يقدم محفوظ الحرافيش ثائرين إلا نادرا فهم لا يثورون إلا عندما يفيض بهم الكيل ويزداد القهر والظلم والاستبداد ويصلون إلى الموت جوعا، هذه الصورة التي قدمها محفوظ للحرافيش صحيحة إلى حد كبير فهم لا يثورون بسهولة، لكنهم عندما يثورون فلا يستطيع أحد إيقافهم، حيث يتحولون إلى شلالات هادرة أو طوفان أو بركان يصعب السيطرة عليه، ولعل خروج المصريين في 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 خير شاهد وخير دليل على ذلك.

هذه الصورة الأدبية الواقعية التي جسدها نجيب محفوظ في غالبية أعماله واستحق بها الوصول للعالمية والحصول على جائزة نوبل يمكن الاسترشاد بها وأخذ العبرة منها، إذا ما حاولنا تطبيقها على واقع المجتمع المصرى في اللحظة الراهنة، فالشعب المصرى من الفقراء والكادحين والمهمشين والذين يمثلون في روايات نجيب محفوظ الحرافيش ظلوا صابرين على الفتوة أو حسنى مبارك وحكوماته الظالمة التي باعت نفسها للمشروع الرأسمالى الغربي وظلت لمدة ثلاثة عقود كاملة تابعة للأمريكان والصهاينة تلك التبعية التي أفقرت الغالبية العظمى من المصريين بفعل السياسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية التي انتهجها مبارك ونظامه والتي أدت إلى زيادة الفرز الاجتماعى بين الأغنياء والفقراء.

حيث الأغنياء يزدادون غنى وثراء فاحشا والفقراء يزدادون فقرا وجوعا ومرضا، وتحت هذا الضغط الرهيب طفح الكيل وخرج الحرافيش في 25 يناير على شكل شلالات بشرية أو طوفان بشرى أو بركان بشرى لم يتمكن معه مبارك ونظامه ومؤسساته وأجهزته الأمنية الباطشة الصمود كثيرا فطالبوه بالرحيل هو وعصابته وقد كان. وكانت مطالبهم محددة الحرافيش تاريخيا يطالبون بالعيش، فأضاف عليها أبناء الشرائح الطبقية الوسطى الحرية والعدالة الاجتماعية لتكتمل الصورة.

وعاد الحرافيش لبيوتهم منتظرين من الفتوة الجديد أن يوفر لهم العيش فقد أوصلهم الفتوة القديم إلى حد الموت جوعا، وجاء الفتوة الجديد وأعلن أنه جاء بشكل مؤقت لحين انتخاب فتوة جديد لذلك صبر عليه الحرافيش رغم استمراره على نفس نهج وخطى الفتوة القديم، وجاءت لحظة الانتخابات وقام الحرافيش بتأييد الرجل البركة محمد مرسي الذي رفع شعارات دينية ليوهم الحرافيش بأنه سيكون في صفهم وسيحقق مطالبهم في العيش وبالفعل نجح وأصبح الفتوة رسميا، وبدأ الحرافيش ينتظرون تحقيق مطالبهم لكنه ظل يسير على نفس نهج مبارك الفتوة القديم، وبدأت أحوال الحرافيش تدهور بشكل كبير وزادت معاناتهم اليومية من فقر وجوع ومرض بالإضافة لغياب الأمن والأمان فخرجوا سريعا وتخلصوا من الفتوة وجماعته الإرهابية في 30 يونيو، وجاء فتوة جديد بشكل مؤقت وصبر عليه الحرافيش باعتباره ليس مسئولا واستمر على نفس النهج والسياسات القديمة.

وطالب الحرافيش بسرعة انتخاب فتوة جديد وقاموا باختيار عبد الفتاح السيسي وتأييده باعتباره المنقذ، وقد قدم الرجل نفسه بطريقة جيدة حيث ذكرهم بفتوتهم القديم جمال عبد الناصر الذي انحاز لهم بمشروعه الاجتماعى الذي انتصر للحرافيش وحقق لهم قدرا كبيرا من العزة والكرامة والعدالة الاجتماعية، وأكد لهم في كل مناسبة أنه على خطى فتوتهم التاريخى، وأنهم نور عينيه، وأنه سوف يحقق مطالبهم المشروعة وسيوفر لهم العيش، وحتى اللحظة يقف الحرافيش منتظرين وعوده التي لم يتحقق منها شيء حتى الآن.

بفضل احتفاظه بحكومة تنتمى إلى زمن الطاغية مبارك وتصر على استمرار نفس السياسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية المنحازة ضد الفقراء والكادحين والمهمشين، وفى الوقت الذي بدأت الشرائح الطبقية الوسطى من الموظفين تتحرك ضد الفتوة الجديد ظل الحرافيش متمسكين بالأمل في فتوتهم الذي آتوا به وأجلسوه على مقعد الفتوة لكى يوفر لهم العيش. وعليه أن يدرك أن صبر الحرافيش على الفقر والجوع والمرض لن يطول كثيرا، وعليه أن يتحرك ضد رجال الفتوة القديم مبارك، ويطيح بهم وبسياساتهم حتى يتمكن من الانتصار للحرافيش وتحقيق مطلبهم الوحيد وهو العيش، لذلك نقول له ونذكره بمقولة أديبنا الكبير نجيب محفوظ في ذكرى رحيله التاسعة إياك وغضبة الحرافيش، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
Advertisements
الجريدة الرسمية