رئيس التحرير
عصام كامل

حرب الكوريتين وحال العرب


حالة حرب ربما تشتعل في غمضة عين بين الكوريتين، حسب غمزة عين الرعاة الرسميين للحروب الباردة في هذه المنطقة.

تبدأ بالتهور التكتيكي للوريث العظيم المارشال "كيم جونج أون"، وريث الديكتاتورية عن أبيه وجده في القبضة العسكرية على المجتمع الكوري الشمالي، وحسبما يكون رد فعل كوريا الجنوبية على تهديدات الشماليين، تكون الحرب أو لا تكون.


وتبقى الحسابات الدولية فارضة قوتها لتحرك الشراع الحربي بين الأخوة الكوريين في جزيرتهم، فالصين وروسيا تدعم كوريا الشمالية، تدعيما عقائديا أيديولوجيا وإستراتيجيا، ومن ناحية أخرى، أمريكا تدعم كوريا الجنوبية تدعيما إستراتيجيا؛ لمصلحة بقاء أسطولها لفرض خيوط عنكبوتها العسكري، ليصل إلى روسيا والصين واليابان.

ومع كل تهديد سابق عبر السنوات الماضية، كانت ترضخ كوريا الجنوبية، وتمنح كل ما يطلبه الشمال من شحنات غذائية ودوائية ومالية؛ حتى لا يمضي الزعيم الشمالي في تهديده وينسف سول، العاصمة الجنوبية، من على الأرض بصواريخه النووية. 

وكان هذا يتم بشكل ذكي واستثنائي، وخبيث في نفس الوقت، من طرف الحامي الأمريكي الذي كان يضبط إيقاع الجزيرة الكورية، بترك بعبع الشمال يهدد ويأخذ ما يريد، وتمر لعبة الابتزاز بسلام بغض الطرف الأمريكي، وبصمت من الجنوب، وكان هذا كفيلا لضمان وجود القوات الأمريكية العسكرية في كوريا الجنوبية؛ بهدف حمايتها من هذه التهديدات.

لكن في هذه المرة، أربك الرفض الجنوبي الحسابات الشمالية، الذي رفض صيغة التهديد بالحرب، وقرر الجيش الجنوبي والرئيسة "بارك كون هيه" استئناف الرفض، وفتح باب الصمود أمام المستفز الشمالي.

ما حدث في الأيام الفائتة، قلب الموازين في تصدي الجيش الجنوبي لتطرف الجيش الشمالي النووي والمقاوحة معه لدرجة فتح النيران عليه، وإعلان حالة شبه حرب في البلاد، وطلب رسمي باعتذار الشماليين للجنوبيين.. وتم هذا وسط أجواء من الصمت الأمريكي!

ولتفسير حالة استنفار الجيش الجنوبي، كما تروج الدعاية الكورية الجنوبية، بأن الصين لم تعد تؤيد استفزازات كوريا الشمالية العسكرية، وروسيا تقف على الحياد.. وأن العالم يشهد تغييرات في سياسته عبر بؤر النزاع العالمي ملتهبة الصراعات العسكرية، لكن في واقع الأمر، يأتي استنفار الجيش الجنوبي كرسالة مبطنة للأمريكان، مفادها: إننا لم نعد صغارا ولا نريد وصاية أحد.

وهذا تم عبر تنمية وتربية الأجيال الجديدة في كوريا الجنوبية، على أن الأمريكي مجرد زميل لنا وليس صديقا، وبالتالي فهو ليس وصيا علينا.. فقط نحن من ندير وندبر أمورنا.. هذا تم تمريره وتغذيته حسيسا في مناهج التعليم وعبر وسائل الإعلام، وفي المقابل كانت تعمل الدولة ومؤسسة الرئاسة، على تقوية هذا الاتجاه عبر قراراتها، وتقدم الدولة والمجتمع اقتصاديًا حد الرفاهية.

إلى هنا والأمر انتهى، والذي يعنني من هذا الشأن كشاهد مقيم منذ سنوات على هذه الاستفزازات العسكرية الشمالية وخاصة الأخيرة تلك، هو تصرف الدولة والجيش والمجتمع الجنوبي حيال التعاطي مع أمر الحرب والشحن النفسي المهووس المصاحب في الكراهية للآخر.

ثمة أمر غريب، لم أجد جنوبيا يكره شماليا، بل ينظر له بعين ناقدة موضوعية، ولذلك فليس غريبا أن تتواجد في الحكومة الكورية وزارة اسمها وزارة التوحيد؛ بهدف توحيد الكوريتين، ولَمُّ شمل الأسر المشتتة بين المجتمعين!

وعلى سبيل المرارة، الكوريتان بينهما عداء عسكري وعقائدي، وتوجد بينهما وزارة توحيد، ونحن هنا ما زال في نخبتنا ومثقفينا من ينادي بتقسيم سوريا والعراق وليبيا، وتفتيت اليمن، ومن قبل تقسَّم السودان!
الجريدة الرسمية