رئيس التحرير
عصام كامل

زيارة خطيرة!


يمكن القول إن الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى موسكو لمدة ثلاثة أيام، آخرها أمس، الخميس، هي أخطر زيارات الرئيس الأربع إلى العاصمة الروسية، منذ أن تلاقت كيمياء الانجذاب الشخصي والسياسي بين القيادتين والدولتين، بوتين والسيسي. يصف المحللون السياسيون هذه الزيارة بأنها إستراتيجية، وخارطة طريق تفصيلية، تبنى على إرث عريق، من العطاء الروسي إلى مصر، وإلى ثقة بصديق "سوفييتي"، حاربنا وانتصرنا بسلاحه !


لم يكتب التاريخ قط أن الروس خذلونا، في الوقت الذي طلعت فيه رائحة الأمريكان من جوف كتب التاريخ، تنشر سحبا سوداء من الغدر والتلون وتدبير المؤامرات، حتى على الأصدقاء والحلفاء. يعرف رجال منطقة الشرق الأوسط من الحكام أن مقولة مبارك الحاسمة في أيامه السياسية الأخيرة، صحيحة تماما إذ قال إن المتغطي بالأمريكان عريان. الحقيقة أن معظم أنظمة دول العرب مغطاة بالأمريكان، وهؤلاء بدءوا يتأكدون أن الظهور والمؤخرات مستورة، بعد أن نقل العشيق غرامياته إلى السيدة طهران راعية الإرهاب في الشرق الأوسط، بعد اتفاق نووي، والحق أن الاثنين الآن يعزفان لحنا سوداويا واحدا، فكلاهما طامع حانق، يدبر وينفذ ويتوسع.. تأتي زيارة الرئيس السيسي إلى موسكو لترسل إشارات بأن مصر لا ترتاح إلى المساحة الرمادية في العلاقات مع أمريكا، وأن الصداقة الواضحة المبنية على وضوح الأهداف والأدوات، واحترام الآخر، هي بالضبط ما يوفره نمط العلاقة مع الروس.

من ناحية أخرى، لا يجوز لمراقب أن يغفل التقاطر السعودي السوري الأردني الإماراتي إلى موسكو، فولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع، كان في موسكو، ووليد المعلم وزير الخارجية السورى كان في موسكو، وجرى نقل رئيس المخابرات السوري إلى جدة لحوار مع السلطات هناك، على متن طائرة روسية. ومن الظاهر أن ثمة محاولات قوية مع دور مصري أردني إماراتي، لصلح سوري سعودي، مقابل طرد الورقة الإيرانية كرغبة السعودية، وهذا هو سر العودة إلى مفاوضات جينيف واحد، ومع التصريح الذي جاء ضمن كلمة الرئيس بوتين في المؤتمر الصحفي الختامي، مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث قال إن نظام الأسد جزء من الحل وفق جنيف. بل أكد الرئيس بوتين أن الأسد جزء من الحرب على الإرهاب.

من ناحية ثالثة، يعد ملف الإرهاب والتعاون الأمني بين الدولتين، ودول المنطقة، هو الأخطر، بغض النظر عن الملفات الاقتصادية والنووية الأخرى. روسيا دولة عاشت خمسة عشر عاما في محاربة الإرهاب الشيشاني، الانفصالي، ولا تزال، ومصر عاشته عشر سنوات في عصر مبارك، وتعيشه الآن، بعد عزل مرسي راعيه ومطلقه، هو وجماعة الإخوان الإرهابيين.

ومن المؤكد أن التعاون سيشمل المعدات والمعلومات، والتنسيق الوثيق في المحافل الدولية والإقليمية. يمكن القول رابعا إن روسيا، بعد زيارة الرئيس السيسي الرابعة، تعود بقوة إلى الشرق الأوسط من جديد، بعد خروجها على يد الزعيم السادات، قبيل حرب أكتوبر في السبعينات.. العودة مختلفة هذه المرة، والسياسات مختلفة، والاحتياج المصري الروسي مختلف، وكلاهما في مواجهة شبكة معقدة من علاقات إقليمية ودولية، تنذر بغيوم وأمطار حمضية. في أي وقت من الأوقات، لم تشعر روسيا بمثل ما تشعر به الآن من حرب وحصار وملاحقة غربية لاقتصادها، بسبب دورها في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم. وتظهر مصر، بوصفها بوابة العرب وأفريقيا والشرق الأوسط، هي نافذة وبراح جديد مأمون لعلاقة روسية تصب في صالح الأمن والتنمية للطرفين.
من المؤكد أن الروس أذهلهم التوغل الصيني السلس في أفريقيا !
الجريدة الرسمية