رئيس التحرير
عصام كامل

«عم رجب».. شجرة صبار الصعيد الذي أنهكه العمل وسط أجولة «الفحم»

فيتو

عاشق للشقاء.. صبار الصعيد.. محب لحياة الترحال.. اتخذت ملابسه من الفحم سوادها لتجعله شبيهًا بـ«النمر الأسود»، ولا عجب في ذلك فهو يرى الموت الأسود في كل لحظات عمله فيتحداه بثغر باسم قائلا: «هخطف لقمة عيشي بالفحم».

«عم رجب» يعمل فحامًا منذ 28 عامًا، عندما جاء من الصعيد، وهبه ربه ثلاث هدايا ربانية: ربيع الأكبر سنا والأكثر عقلا، ومحمد مفتول العضلات رغم صغر سنه، والابن الأصغر عبده أكثرهم تفاؤلا لتتجمع الثلاث هدايا بقلب النمر الأسود مستمدا منها الحياة، اتخذ من العمل في مهنة الفحام سبيلًا لاكتساب الرزق الحلال، ورغم أن هذه المهنة أكسبته مرض الربو، الذي أضعف كاهله، إلا أنه ما زال صامدًا، أمام مرضه، يهزمه تارة، وينهزم منه أخرى.

«شجرة صبار الصعيد».. هكذا يطلق على «عم رجب» ذلك المحارب في محل الفحم الخاص به، ليوفر لأبنائه حياة كريمة.



يبدأ «ابنه الأصغر» صباحه مداعبًا الأمل.. وعندما تتسلل رائحة الفحم إلى جسده تملؤه حيوية ونشاطًا.

يتمايل مع مكنسته في صباح كل يوم، فيهذب أشولة الفحم على أعتاب دكانه

"عم رجب" رجل الفحم أربعيني العمر، ترى في نظرات عينيه حالة من الرضا لا تستطيع ظروف عمله الصعبة إخفاءها، متخذًا من غبار الفحم لقمة عيش، ممزوجة برضا الحال.

«ربيع» ابنه الأكبر.. يبيع الفحم بعد أن سرق منهم انفاسًا وحياةً.

يقوم "عم رجب" يوميًا بعملية تصفية الفحم مستخدما "المنقد الخشبي".. بمساعده ابنه الأكبر ربيع.


يصفي تدريجيا الفحم من "المنقد" إلى "الشالية" مقسما أنواع الفحم بعد فرزه على حسب استخداماته.

يحتضن أبناءه بنظرة تغمرها سعادة من كلا الطرفين فتتشابك الأذرع بالأذرع فلا يمكنك أن تميز أيهما الأب وأيهما الابن ليرجع بذلك شابا في العشرين من عمره.

ألا يكفيك يا رفيق العمر جروح الزمان!.. فتأتي لتمتص دمائي!.. ويسلب غبار الفحم نفسي هو الآخر!.. فلم أنته منك بعد لتنهيني!.. "محدثا المنقد الذي أصابه بجرح"

ينتهي "عم رجب وأبناؤه "من عملية تصفية الفحم بالمنقد الخشبي فيقوم الأب بعدها بحياكة قمة «زكيبة الفحم» لينتقل للمرحلة التالية..

وقد أصبح "رجب" في عملية التصفية يستنشق حياة ملونة بغبار الفحم.

يغادر محمد وقد ألقي بضع نظرات حائرة هل سيأتي محملا بزكائب الفحم أم سيأتي مخففا من ذلك الحمل ؟

يقوم عم رجب بإجراء روتيني للتأكد من أن حياكته قد أحكمت زكيبة الفحم ثم يضع الزكائب على متن الدراجة الخاصة بابنه محمد ليقوم بعملية توزيع الفحم على المحال المختلفة.

يداعب ابنه وسط طاحونة العمل ليخفف عنه مرارة الأيام ليبادله ابنه بابتسامة خاطفة.. راضية.

تكاد من على بعد أن تستمع لخفقان قلب محمد مسرعا.. مهللا، فقد عاد مخففا من الأثقال ضاحكا فقد أتم مهمته بنجاح.

يغلق على كنزه الأسود فبعد أن أعطى شمس الصباح وجهه باسما.. أصبح الآن يدير لقمر المساء ظهره متناسيا متاعب يومه ويعد لاستقبال يوم جديد بروح وقودها الفحم.
الجريدة الرسمية