رئيس التحرير
عصام كامل

التعليم في أحضان الفوضى


يعرف العالم شرقا وغربا أن التعليم هو عصب المستقبل وقاطرة المجتمعات للنهوض ورافعة طموحها للتنمية والتقدم ومقاومة انتشار ظواهر التطرف والإرهاب والجهل والعشوائية، ولا مخرج لأي شعب من أزماته الاقتصادية والأمنية والاجتماعية دون عناية بمنظومة التعليم وتطويرها لمواكبة التغيرات ومواجهة التحديات.


في ضوء هذه المحددات ينذر ما وصل إليه التعليم المصري من ترد وانهيار متزامن مع طفرات التعليم في آسيا وأفريقيا في منتصف العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين ينذر هذا الوضع بأخطار جسيمة على المستويات الاقتصادية والأمنية والتعليمية والصحية وغيرها، ويبدو من شواهد متعددة أن الدولة المصرية ومؤسساتها ليست مشغولة فحسب عن حل معضلة التعليم والبحث العلمي، بل لاهية عن معالجة قضية تدهور منظومة التعليم وملحقاتها ولا يشغلها سوى أمرين هما: العناية بشكل الدعائي للتعليم بمعزل عن مضمونه ومحتواه، والانصراف إلى ما يسمى بالمشروعات القومية الكبرى رغم أن قضية التعليم وتطوير أساليبه وأدواته وتقنياته تعد أهم مشروع قومي على الإطلاق، وكل محاولة تتجاهل علاجه قفزة إلى المجهول.

وبيت القصيد أن قيادات مؤسسات التعليم العام والعالي وتوابعها عجزت عن مواجهة الظواهر المدمرة للمنظومة التعليمية مثل: الدروس الخصوصية وانهيار القيم الأخلاقية داخل المدارس والجامعات وتفشي ظاهرة الغش الجماعي والفردي في الامتحانات بصورة مرعبة، وظاهرة التعليم الموازي والفئوي الخاص والأهلي والحكومي والمتميز الخ، ومافيا طباعة الكتب والمذكرات المدرسية والجامعية، باختصار نحن إزاء ظواهر تهدم ولا تبني تدلس ولا تدرس، مجتمع مصاب بحالة دوار دائم في دوامة اللامعقول، مجاميع فلكية وعقول عاجزة عن الفهم والابتكار والإنجاز.

وآخر إنجازات وزارة التربية والتعليم لا تربية حدثت ولا تعليم حصدنا ولا نظام رأينا ولا إحساس بخطورة المسئولية، فقد غرقت وزارة التعليم في "شبر ميه" بإجراء مسابقة لتعيين 30 ألف معلم وتوزيعهم على المحافظات والمدارس حسب نسب العجز في التخصصات المتنوعة، ولم تستطع الوزارة بجيوشها الجرارة من المسئولين، مستشارين وخبراء وموظفين يربو عددهم على عشرات الآلاف أن تنظم اختبارا وعمت الفوضى أثناء الاختبارات الأولية فلا عدالة ولا فهم للمهمة ولا قدرة على التواصل مع مئات آلاف المتقدمين لتلك الوظائف الشاغرة، والنتيجة صفر أداء.

إن عدم قدرة وزارة التربية والتعليم على تنظيم وإجراء اختبار المعلمين حسب معايير الكفاءة والشفافية، واعتراض عدد كبير ممن أدوا الاختبارات وتشكيكهم في حيدة ونزاهة الاختبار والتصحيح أمر يدعو للقلق والشفقة معا، كما أن فشل الوزارة المكدسة بآلاف الإداريين والخبراء وعجزها عن وضع آلية تضمن حسن توزيع المعلمين على الوظائف الشاغرة حسب تخصصاتهم على المديريات التعليمية وفق معايير محددة سلفا يحتاج إلى المساءلة والحساب، وعلى سبيل المثال وليس الحصر في توزيع المعلمين الجدد، كيف تقوم الوزارة بتعيين أحد المكفوفين المقيم في محافظة الدقهلية بمحافظة الإسكندرية، وتقوم بتعيين معلمات متزوجات أو آنسات من محافظات الغربية والدقهلية وكفر الشيخ في مديريات التعليم بمحافظات أسوان وقنا وأسيوط وبورسعيد؟ ألا يوجد ما يسمى بتوزيع القطاعات؟ وكيف يعيش أو يسافر هؤلاء من مقار إقامتهم إلى أماكن عملهم؟

نحن نعرف أن السيد وزير التربية والتعليم الحالي هو المسئول السياسي عن حالة الفوضي والخلل التي تدب في مفاصل وزارته وانهيار منظومة الرقابة والمحاسبة والتنظيم بحكم منصبه، ولكنه ليس المسئول الوحيد عن هذا الخلل والتقصير وسوء الأداء في منظومة التعليم العام، فهناك حكومة ووزراء سابقون ومعاونيهم وعشرات بل والمئات من المسئولين الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء التفكير في تنظيم عملية وضع معايير الاختبار وتوزيع المعلمين وفق قطاعات جغرافية تراعي تسكين المعلمين المؤهلين في قرى ومدن ومحافظات أقرب ما يكون إلى أماكن إقامتهم لمراعاة تكلفة السكن الباهظة والأعباء المعيشية في المحافظات البعيدة والنائية خصوصا بالنسبة للسيدات والفتيات، فإذا كانت مرتبات المعلمين في بداية حياتهم العملية لا تكفي لسد احتياجاتهم من سكن وملبس ومصاريف معيشية فستكون هذه الحاجة بابا ملكيا لفساد المعلم والدروس الخصوصية والغياب عن أداء المهام الوظيفية في الفصول الدراسية للأجيال القادمة من المعلمين، فهل تدفع الوزارة الأجيال الجديدة من المعلمين إلى الانتظام في منظومة الفساد لتعويض العجز المالي وأعباء المعيشة؟ أليس من الأجدى والأنفع للوزارة حسن توزيع هؤلاء المعلمين على إدارات تعليمية قريبة من محال إقامتهم حفظا لكرامتهم ولم شمل أسرهم ورعاية أبنائهم وتوفيرا للجهد وحماية للوطن من فساد الذمم وصناعة المواطن الفاسد؟
الجريدة الرسمية