رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

خطة قومية لاستصلاح «مليون إنسان»!


الحكومة أعلنت البدء في استصلاح وزراعة مليون ونصف المليون فدان، كمرحلة أولى من مشروع الأربعة ملايين فدان الذي أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي.


جميل جدًا.. فمشروع كهذا، من المؤكد أنه سيحدث تنمية شاملة بالمناطق الصحراوية المقترحة خارج نطاق الوادي والدلتا، وإقامة مجتمعات زراعية صناعية متكاملة، فضلًا عن توفير آلاف فرص العمل.

لكن هناك «حكمة» رائعة - غير منسوبة لأحد - تقول: «ابنِ ابنك ولا تبني لابنك»، أي أن «بناء الإنسان»، وتربيته، وتعليمه، وتثقيفه، والاستثمار في عقله أفضل من البناء له.. فماذا يفعل السفيه بالمال؟.. وهل يدرك الجاهل قيمة ما في يده؟.. وإذا كانت العقود الماضية شهدت «تجريفًا» للأراضي الزراعية، بالبناء العشوائي عليها، فإن العقول المصرية عانت هذا التجريف أيضًا، فأنتجت لنا أجيالًا مشوهة، فكريًا، وثقافيًا، وسلوكيًا وأخلاقيًا.. تزامنًا مع هروب «العقول المبدعة» خارج البلاد.

عندما أراد الصينيون القدماء، أن يعيشوا في أمان؛ بنوا سور الصين العظيم، واعتقدوا أن أحدًا لا يستطيع تسلقه، لعلوه وارتفاعه، ولكن خلال المائة سنة الأولى بعد بناء السور، تعرضت البلاد للغزو ثلاث مرات، وفي كل مرة لم تكن جحافل العدو البرية في حاجة إلى اختراق السور أو تسلقه، بل كانوا في كل مرة يدفعون للحارس «رشوة» ثم يدخلون عبر الباب.

لقد انشغل الصينيون بـ«بناء السور» الحجري، ونسوا بناء الحارس «الإنسان»، فكانت الطامة الكبرى التي حلت على بلادهم!

إن مصر احتلت المرتبة الأولى في نسبة الأمية على مستوى الدول العربية، والعاشر على مستوى العالم - وفقًا لتقرير مجلة «فورين بوليسي» نهاية عام 2013- بمعدل 17 مليون أمي، لا يجيدون القراءة والكتابة.

وزير التربية والتعليم السابق الدكتور محمود أبو النصر، أعلن في 2014 - خلال توليه الوزارة - أن «هذا العام سيشهد حلولًا ناجزة لمحو الأمية في البلاد، التي سجلت 30% من عدد السكان»، لافتًا إلى أن 11% من الأطفال خارج التعليم ما بين «متسرب أو منقطع».

في نفس العام أيضًا، وتحديدًا في سبتمبر 2014، قال اللواء أبو بكر الجندي، رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء: «إن نسبة الأمية في مصر انخفضت إلى 26% من عدد السكان عام 2013، مقارنة بـ29% عام 2006، وإن التعداد السابق على 2006 كانت نسبة الأمية فيه 39%، والتعداد الأسبق 49%».

معنى ذلك أنه لا يوجد رقم محدد لعدد «الأميين» في بلد تجاوز تعداد سكانه 90 مليون نسمة، لكن على أقل تقدير لدينا 17 مليون أمي، وهو رقم مهول بلا شك، وبحاجة سريعة إلى خطة قومية للقضاء عليه، أو الحد السريع منه، وهذا أضعف الإيمان.

والمتابع لأحوال «التعليم» عندنا - إن كان لدينا تعليم من الأساس - سيدرك أننا نسير بقوة «نحو الأمية»، لا إلى «محوها»، ويكفينا فخرًا أننا أخرجنا أجيالًا من الطلاب والمدرسين لا يجيدون القراءة والكتابة.

لن نتطرق هنا إلى أسباب تفشي الجهل والأمية في بلادنا - رغم أهميتها - ولن نسهب في سرد الآثار الاجتماعية والثقافية لهذه الآفة الخطيرة المدمرة، فمعظمنا - إن لم نكن كلنا - ندرك آثارها السلبية على الفرد والمجتمع في شتى المجالات.

ما أود التأكيد عليه، أن مشروع استصلاح الأراضي الصحراوية مهم جدًا، لكن الأكثر أهمية منه استصلاح العقول «الوعرة»، والاستثمار فيها، وإعادة زراعتها بالأفكار الإبداعية، والمناهج الابتكارية المتطورة، إذا كنا نريد حقًا منافسة أشقائنا العرب، ونجد لأنفسنا مكانًا بين دول العالم المتقدمة.. بدلًا من هذه «المسوخ» المنتشرة في الهيئات والمؤسسات، المتمسكين بكتابة «لاكن»، و«ذالك»، و«هاذا» دون «ألف»!
Advertisements
الجريدة الرسمية