رئيس التحرير
عصام كامل

الآباء يأكلون الحصرم


ليس كل ما يطفو على السطح حقيقة.. لم يغص أحد في الأقليات العرقية والطائفية، وهي تتحول إلى دريئة تتلقى جميع أنواع الرصاص، بدءا من تخوينها لأنها لم تمتط ركاب الثورات، وانتهاء بأسطَرتها وتسويق مضامينها الإيمانية بطريقة تسلبها أبعادها.
 

بقينا نسبح ونجدف على سطوح الأقليات.. مفكرون.. إعلاميون، أو بحّاثة، لم ينسلّ أحد منهم إلى عمق كينونتها، ليوثق أن التنوع في المجتمعات غني.. بقيت الانطباعات هي كل ما نعرفه عن إخوتنا في الوطن والعيش المشترك.. معرفتنا بهم نحيلها إلى تلقينا الأول عنها، وهو في الإجمال تلقٍ مشوبُ بالشك في "أيديولوجيتها الدينية"، والحذر من مضامينها، والخوف من طقوسها.

أليس الإنسان عدو ما يجهل؟.. "الأقليات" العدو لكثيرين منا.. السبب يرتد إلى اللبس والالتباس، اللذين عملت عليهما أجندات خارجية، متحالفة مع بيئة داخلية، انغلقت على شرنقتها بسبب خطاب شفوي كتابي، مارسه مضللون، يفتقر إلى آليات النفاذ والحفر عميقا في بواطن الأمور.

الانطباع الأول يدوم.. كونّا انطباعنا الأول.. دام.. هناك من عمل على استدامته، النتيجة كارثة وطنية بحق.. كارثة من عيار أن تقول كردي سوري، لا سوري.. أو يزيدي أو آشوري، ولا تقول عراقي.. كارثة الكوارث تنتقل إلى الخارج فيسألك سائل عن الشيعة والسنة في البحرين وعن وعن.. وكأن "بلاد العرب أوطاني" قطعت شوطا في التشظي المذهبي أو العرقي، لم يعد ينفع معه مثلا، أن تقول أنا سورية / ي فحسب.

الانتماء إلى جنسية عربية ما، لم يعد قادرا على صياغة الهوية، وفق محدداتها الذاتية، كما كنا نعتقد سابقا.. التعريف اليوم يحتاج إلى لواحق وصفات وتعريفات جديدة.. لا يكفي أن تكون سعوديا؟.. هل أنت من شيعة القطيف مثلا؟

تعالوا إلى كلمة سواء.. أن تقول أقلية، يعني أن مقابلها أكثرية.. الأكثرية والأقلية يعنيان مغالبة، وهيمنة للأقوى، وهو ما لا يستقيم مع منطق الثورات، التي تشهر سيف الرفض في وجه كل من يتحزب لغير الديمقراطية.

معظمنا، يقع في فخ الأسماء والمفاهيم التي يصنّعها الإعلام الغربي، وننقلها عنه في الإعلام العربي، أما عن جهالة، وهو الأغلب، وإما عن خبث ودراية، وهي النشاز.

الأقليات، الأكثريات، يجوز إطلاقها على الجمادات والأشياء والأوزان، يجوز إطلاقها على اللاشيء.. تداولها في حالتنا نحن البشر، يستدعي العداوة بيننا.. حينما نتحدث بمنطق الغلبة للأكثرية - وأتمنى ألا يتداخل أحد عليّ ويقول إن التعريف البسيط للديمقراطية هو حكم الأكثرية.. أكثرية الأصوات نعم.. أصوات تبتعد عن الصيغ والصبغات الطائفية – العرقية.

إعلامهم وإعلامنا يتداول يوميا أخبار "الأقليات" في دول عربية تحترق بلهيب التضاد المصنوع من سرديات الوهم والخرافة.. أن تكون أقلية لا يعني أنك ضعيف، وانتمائك لأكثرية لا يعني أن تستبد.

طالما أننا في زمن الثورات.. لمَ لا نعيد ترتيب اللوحة بما يجعل منها جوكندا مبتسمة، لا حزينة، في كل زمان ومكان؟.. لم لا تأخذ الثورات، الطوائفَ والأعراق، من أيديها إلى حيث هوية المواطن مستمدة من الاسم، جبين الوطن، على أن تكون الانتماءات، بتجلياتها المختلفة، عنوانا فرعيا؟

الأمر على النحو التالي.. لم لا تكون مكونات المجتمعات العربية دافعة أرخميدس تنقلنا إلى حيث ننتقل من التعايش إلى العيش؟.. الفرق بينهما يدركه اللبيب.
الجريدة الرسمية