هل تُجْدي دعوة حل الجماعة بعد ابتلاع الطُّعْم؟!

كشفت ردود الأفعال حيال ما تردد من دعوة بعض قيادات الإخوان المسلمين إلى حل الجماعة، عن اهتمام جاد لم يكن في الحسبان.. ما ينبغي التوقف عنده هو الأسباب التي ساقها من اعتبرها دعوة إيجابية.

هناك من رأى أن الإعلان عن حل الجماعة سوف يخفف من وطأة المواجهة الخشنة بمختلف صورها.. وهناك من رأى أن حل الجماعة سوف يفرغ عدة قوانين من مضمونها، مثل إلغاء تهمة الانتماء لجماعة إرهابية محظورة.. ذلك أنه بعد زوال الجماعة، من البديهي أن ينتفي الانتماء إليها.. فيما رأى البعض أن حل الجماعة رسالة للداخل والخارج مؤدَّاها أن الجماعة لا علاقة لها بالإرهاب الأسود، وأن مرتكبي العنف لا يمتون للجماعة بصِلة.. وهناك أيضًا من رأى أن الحل سوف يكشف للعالم خطورة اختفاء جماعة تشكل صمام أمان للمنطقة والعالم من خطر الإرهاب، مستندين إلى قبول الإخوان بقواعد اللعبة الديمقراطية والعمل السياسي السلمي - بحسب تبريرات المنتمين للجماعة.

حسنًا.. ليكن الحل هو الحل.. ويبقى السؤال.. وماذا بعد الحل؟.. هل يترك عناصر الجماعة بمنهجهم التربوي يتحركون ويتفاعلون مع المجتمع وعلى وجه الخصوص في مضمار المجتمع المدني؟.. الجواب في ظني، صدر عن الرئيس عبد الفتاح السيسي في أحد تصريحاته مؤخرًا، عندما قال ما معناه انخرطوا معنا دون أذى.

في تقديري، إن الدعوة لحل الجماعة - حتى إن كانت بالون اختبار- دعوة في غاية الأهمية «وأشم فيها رائحة استعداد لترطيب الأجواء".. بيد أنني أراها متأخرة.. إذ كنت قد دعوت إليها في ظروف أفضل وبكلفة أقل.. وربما جاءت تجربة إخوان تونس مقارِبَة لما دعوت إليه إلى حد كبير.

أذكر أنني ذهبت مبكرًا في هذا الاتجاه، عندما دعوت الإسلاميين بمن فيهم الإخوان، وبالتحديد في ديسمبر 2012م، بهجر مضمار السياسة، والتفرغ للعمل الدعوي والخيري.. وقتها كانت ردود الفعل رافضة بالجملة؛ إذ رأى معظمها أن الوجود على خريطة السياسة واجب وفرض عين تحتمه ظروف المرحلة، حتى لا تترك الساحة للتيارات العلمانية الرافضة لحضور الدين في الحياة والسياسة.

كان ردي أنني لا أقرأ الغيب، وإنما كانت هناك إشارات قوية عن حادثٍ جَلَلٍ في الطريق، ربما تنقلب فيه السياقات رأسًا على عقب، ويتعرض الإسلاميون لضربة قد لا تُبقي ولا تذر.. وقلت لهم لتكن فترة استرخاء من عناء سنوات القهر والتنكيل، وقد ارتكَزَت نصيحتي على سد ذريعة المواجهة، باجتناب معارك السياسة، والانكفاء على الدعوة والعمل الخيري، مستظلين بمكسب عدم الاصطدام بعوائق الحظر والتكبيل، وتراجع قبضة الأمن السياسي، الذي كان أهم مكاسب ثورة 25 يناير على الإطلاق.

ثم حدث ما حدث في 30 يونيو وما بعده.. وما حذرت منه صار واقعًا، وها هم الآن في مواجهات وصلت في ذروتها إلى أحكام بالإعدام، وفي أدناها إلى الحصار والملاحقة.. ثم نسمع الآن عن دعوة حل الجماعة.. ما كان من الأول قبل ابتلاع الطُّعْم!