رئيس التحرير
عصام كامل

الحوار الإستراتيجي وإعادة الحسابات الأمريكية


من المُسلم به بداهة أن السياسة لا تعرف لغة العواطف والأخلاق والمُثل العُليا، بل لا تستهدف سوى المصالح في عالم تتبدل فيه المواقف وتتغير بين الفينة والأخرى ومن زمن إلى آخر.

ومن المؤكد والمعروف للعالم كله، أن الولايات المتحدة الأمريكية تضع مصالحها الإستراتيجية فوق أي اعتبار، مهما تشدق الأمريكيون بشعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

وبعد انقطاع الحوار الإستراتيجي المصري الأمريكي لمدة خمس سنوات، انطلقت جلسات الحوار بين البلدين في الثاني من أغسطس الجاري بمقر وزارة الخارجية بالقاهرة، بجلسة افتتاحية لوزير الخارجية سامح شكري ونظيره الأمريكي جون كيري، وبحضور ممثلين رفيعي المستوى لكل الوزارات والإدارات المعنية بالعلاقات الثنائية بكل جوانبها، ومنها التعاون الدولي والصناعة والاستثمار والتجارة والدفاع والتعليم وغيرها.

وكانت الولايات المتحدة، قد قامت في وقت سابق، برفع الحظر عن تسليم طائرات إف 16 لمصر، وقبل عقد جلسات الحوار بساعات، قامت بتسليم القاهرة ثماني طائرات مع وعدٍ بتسليم أربع طائرات أخرى في الخريف المقبل، في إشارة واضحة لها دلائلها ومغزاها.

لقد وثَّقت الولايات المتحدة منذ أكثر من عشر سنوات، علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وراهنت على توليهم السلطة في البلاد عقب ثورة 25 يناير 2011، وكسبت رهانها لمدة عامٍ واحدٍ، غير أنها فوجئت وفجعت إزاء قيام الشعب المصري في 30 يونيو 2013 بثورة أزاحت الجماعة عن سُدة الحكم.. وتخبطت السياسة الأمريكية إثر ذلك بين محاولة إعادة الجماعة إلى الحكم مرة أخرى، وبين انتظار ما تسفر عنه الأحداث والأيام، وبين الرضوخ للواقع الثوري في البلاد.

إلا أن قوة وصلابة الشعب وقيادته، أرغمت واشنطن على إعادة حساباتها بعد فشل "ورقة الإخوان" في الضغط على مصر، كما فشلت كل الأوراق السابقة كأوراق الأقباط والنوبة والأقليات وحقوق الإنسان التي ما فتئت الولايات المتحدة تلعب بها؛ لإضعاف الحكم المصري وتقليص دوره في الشرق الأوسط والعالم والرضوخ للإملاءات الأمريكية.

أخيرا اعترفت الولايات المتحدة بثورة 30 يونيو، وتخلت عن جماعتها في مصر بل باعتها، وبدأت تعيد علاقاتها المتوازنة مع مصر بعد أن أيقنت أنه لا يمكن الاستغناء عن الدور المصري الفاعل في الشرق الأوسط والعالم، ومن الغريب والجديد أن يعترف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، في لقاء مع صحيفة نيويورك تايمز مؤخرًا، بأن بلاده لديها معلومات عن تورط بعض قيادات الإخوان في أعمال إرهابية!

إنَّ مصر وإن غابت في بعض الفترات عن إقليمها والعالم، سرعان ما تعود إلى موقعها ومكانتها الرائدة إقليميًا وتأثيرها عربيًا وأفريقيًا ومتوسطيًا، وإلى دورها الفاعل دوليًا، مهما حاول الآخرون القفز على عوامل التاريخ والجغرافيا.
الجريدة الرسمية