رئيس التحرير
عصام كامل

الحزانى في الطشت.. وفلسفة المشروع القومي!


نفس الأشكال الفقر التي تحاول ضرب كُل كرسى أو شمسية أو حتى كوباية في كلوب فرحة المصريين، هي نفس الوجوه اللى كانت عايشة أيام تأميم قناة السويس، وباتت تحلم أيامها بعودة الإنجليز للقناة ولمصر كُلَّها من أجل القضاء على الشعب (عدوهم) وقضيته، وهى هي نفس الأشكال اللى لو كانت موجودة أيام نصر أكتوبر العظيم، لاستخسرت فينا الفرحة، وقالت إن الحرب التي تم إذلال إسرائيل خلالها للمرَّة الأولى والأخيرة على يد جيش عربى هي مُجرَّد تمثيلية، ويشاء العليم القدير، أن هذه الأشكال تقول الكلمة دى فعلًا "إن الحرب كانت تمثيلية" بعد ذلك بأكثر من 35 عامًا، فماذا تنتظر منهم؟!


هناك الكثير من الأقوال الداعية للتفاؤل، تفاءلوا بالخير تجدوه، كُن جميلًا ترى الوجود جميلًا، اضحك للدُنيا تضحك لك، وليس المطلوب من المرء إنه يمشى في الشارع بابتسامة تفاؤل بلهاء للأبد، أو إنه من كُتر التفاؤل يقعد على القهوة ويطلُب مشاريب لكُل الزباين، بينما في جيبه مفيش غير خمسة جنيه، وهو قال إيه متفائل إنه هيكسب حالًا اليانصيب، أو جايزة قناة الحياة لما يعرف مين الجانى، لكن كمان مش مطلوب في عز أوقات الفرح اللى زى دلوقتى، بعد إنجاز حقيقى وناجح على أرض الواقع ومائه، أن تظهر التكشيرة والشلاضيم، ويتسابق "أبواز الفقر" على النبر فيها، ملهاش لازمة، مشروع فاشل، بيضحكوا عليكم!

الغريب أن محاولات الغلوشة و"تفطيس" المشروع مرَّت بمراحل مستميتة من محاولات التشكيك والإفشال، والأكثر غرابة إن فشل كُل محاولة كان يمنح الأشكال الفقر إياها ـ عكس الطبيعة ـ مزيدًا من الطاقة لاختراع أكاذيب أكثر، فتلاقى واحد منهم طالع لنا يراهن على طشت الست والدته، مؤكدًا أن مَن حفر طشت أمه، لن يقدر على حفر حاجة أوسع منه، طيب بأمارة إيه؟ وهل هذا نوع من التعصُّب الأسرى، واللاكراهية البلد لا الوطن (لأنه ليس وطنه)، ولماذا كان الضرورى بالنسبة لـ(وجدى غنيم) حبيب الطشت وحليفه وابن صاحبته، والطشت قال له، إنه يختار بينه وبين مشروع قومى مُهم، إلا لو كان راغبًا في التأكيد بألف دليل، والإعلان بما لا يدع مجالًا للشك، أن انتماءه لطشت الست والدته يفوق انتماءه لأى أرض أو سماء أو بحر؟!

الأكثر غرابة إن الناس المُشككة في كُل شيء، قالوا في البداية إن المشروع لن يكتمل، وإن لا الجيش ولا شركات المقاولات المدنية قادرين على إتمامه ولو في عشر سنين، وعندما تم كُل شيء بنجاح، وأصبح علينا الاحتفال بنجاحنا النهاردة، بدأ نفس الناس ـ

عندما تحول الحلم إلى واقع ـ في مهاجمة المشروع مؤكدين أنه ترعة ضحلة راكدة لن تفيد أحدًا، وهو نوع من التفطيس المُستميت، ويبدو أن هذه النوعية في حاجة لدليل عملى مُختلف لتغيير وجهة نظرهم النابعة عن هوى فاسد ومزاج عكننة خرب، لا عن نظر بالعين أو البصيرة، أو تفكير بعقل أو منطق، فقديمًا كان عندنا أغنية قليلة الأدب بتقول "آه يا واد يا ولعة.. خَدها ونزل الترعة".. فالمفروض (ولعة) ياخدهم وينزل بيهم الترعة المذكورة علشان يشوفوا الإمكانيات بنفسهم، ويقتنعوا!

إن الغرض من أي مشروع قومى على مَرّ التاريخ ليس دائمًا غرضًا اقتصاديًا فحسب، ولا لتحقيق هدف حربى فقط، أو سياسي والسلام، لكن للمشروع القومى دائمًا معنى ورمزية مُختلفة، وهى تجميع شتات المجتمع، وشحذ همم وطاقات الشعب للسير في طريق العمل والإنتاج دون تجاهُل لمتطلبات مُلحّة بالالتفاف حول الوطن وقضيته وحاضره ومستقبله والتنمية الضرورية فيه بإجادة وسرعة، دون غض الطرف عن أعداءه المتربصين به على بُعد كيلو مترات، أو أمتار قليلة، وللأسف حتى بداخله، وبتحقيق ذلك المشروع القومى بنجاح (وإنجاز الشق الاقتصادى بالطبع، مع السياسي أو الحربى أو الاجتماعى الأساسى والضرورى) فإن التالى من مشروعات (صناعة طموحة ومختلفة كالصناعات الثقيلة والصناعات الدقيقة والمُتقدمة) ستمتلك فُرصا أكبر وأوفر للنجاح على المستوى العام، وبالتالى إنجاح أغراضها من (توفير فرص عمل / جذب استثمارات خارجية / تدوير ناجح لاستثمارات داخلية / صنع حالة من الرواج التجارى الناتج عن النجاح الصناعى.. إلخ)!

بالتأكيد لا بُد من تقديم خالص الشكر لكل الرجال المُشاركين في صنع الإنجاز العظيم، ولرئيس الجمهورية الذي لم يكتف بالعويل والندب على التركة الثقيلة، وإنما بدأ العمل في عدة محاور واتجاهات، وطرق جديدة في العمل والتمويل معًا، وطموح هائل لاستصلاح أراضٍ وخلق مجتمعات ريفية، سيكون نتاجها الاقتصادى والاجتماعى هائلًا، وتجد البعض يرفُض متعللًا بأن الجيش يشارك في مشروعات قومية، على الرغم من أن مشاركة الجيش في تلك المشروعات لم تشغله أبدًا ـ يا حسرة على المتربصين ـ عن مهامه الأساسية في مواصلة الحفاظ على سيناء وتطهيرها من صراصير الإرهاب، ودعم قواته بالمزيد من الأسلحة الجوية والبحرية وغيرها، وتوجيه ضربة تاريخية لمعاقل الإرهاب خارج الحدود في ليبيا، برد قوى لا يقدر عليه إلا الدول الكُبرى التي تمتلك جيوشًا عظمى مثل جيشنا!

وخلينا فاكرين إن كُل واحد يتغاضى ـ نظريًا ـ عن قتل الجنود والضُباط، وتفجير محولات وأعمدة الطاقة، وتفجير السيارات المفخخة، والاغتيالات السياسية، وقتل الأبرياء، وعمليات التخريب العشوائية أو المُمنهجة، بينما هو يؤيد ذلك تمامًا ـ عمليًا ـ حقدًا منه على ثورة شعبية أطاحت بنظام عميل وإرهابى ينتمى له، أو جلبت نظام وطنى لن يستفيد هو شخصيًا منه كما كان يُمنى نفسه، لا يُمكنه أن يعيش الفرحة (الشعبية / الوطنية / الحقيقية) التي يعيشها مُعظم المصريين الآن، وبالتالى فعليه أن يظل مستمرًا في سياسة الهرى والنكت، وجَلد الذات والآخرين، مع اللطم على الخدود، والتقليل من أي إنجاز لدرجة العدم، إذ إن اعترافه بأى خطوة إيجابية تُتخذ لصالح الوطن، معناه ـ ببساطة شديدة ـ أنه ومَن على شاكلته فَشَلة وحمقى، وأن السير في دروبهم ـ كما حدث أيام ثورة يناير وما بعدها ـ لم يكُن ليقودنا قط لا لحُرية، ولا لعيش، ولا لكرامة إنسانية، وإنما كان سيحوِّل الثورة الشعبية الهائلة (ثورة يناير) لخراب كامل، ووبال تام على مصر وأرضها وشعبها، وهذا ما لم يحدُث ولله الحمد، بفضل الشعب والجيش، وبعد التخلُّص من ترسيبات الثورتين من الخونة والمُغيَّبين والسُذَّج المخدوعين بالبريق الثورى والهيجان الدائم ضد أي محاولات لفرض نظام أو قانون أو حتى إرادة أغلبية مصرية على أرض الواقع!

ولعلمك فالكُل ـ بلا استثناء ـ مُستفيد من المشروع، وعلى رأسهم الإخوان المُجرمين نفسهم، إذ حصُل كُل مجرم وإرهابى منهم على زيارة استثنائية في السجن بهذه المُناسبة.. شوفت إزاى؟!

وفى النهاية.. إن مَن يُنكر الآن الجدوى الاقتصادية والاجتماعية بل والسياسية لقناة السويس الجديدة، وما سيترتب عليها من مشروعات كبرى (ليست مجرد قناة والسلام) هو نفسه مَن أنكر إمكانية تنفيذ المشروع نفسه قبل عام بالتمام والكمال، بل سخر من إمكانية النجاح في ذلك، وهو نفسه مَن أكد أن فلوس المصريين ضاعت هباءً، وهو نفس الشخص الذي قال إن القناة ليست إلا مُجرَّد ترعة صغيرة تافهة، رغم تشكيكه السابق في إمكانية حفر هذه الترعة الصغيرة التي لا تحتاج ـ إن كانت ترعة ـ إلا لنفرين وفأس ومقطف زى حضرته لحفرها في ساعتين!
الجريدة الرسمية