رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

امسك معلم!


دعك من جو الاحتفالات المبالغ فيه، الذي يضيع أي معنى حقيقي للإنجاز إن وجد.. دعك من حالة العبث التي نحياها لدولة أقسم رئيسها أن يعمل الناس من السابعة صباحا، فإذا بكم إجازات هائلة بدعوى الاحتفال بأي شيء.. دعك من الأموال الطائلة المهدرة التي يتم إنفاقها حاليا على أصحاب محال الفراشة والزينة؛ لأن مصر بتفرح، بينما هي ذاتها مصر التي بلغ إجمالي الدين الداخلي عليها أكثر من 2 تريليون جنيه مصري.. مبلغ لا يمكن تخيله يقضي على كل فرص التنمية الحقيقية، والنمو الذي يجب أن يصب في الدخل العام للدولة، ولعامة الشعب وليس لمجموعة أصحاب المصالح والفاسدين.. دعك من كل هذا وتخيل أداء هذا الرجل المسئول عن أخطر وزارة مصرية أو هكذا يجب أن تكون!


إنها وزارة التربية والتعليم، ووزيرها الدكتور محب الرافعي، الذي ربما لا يعرف ولا يذاكر ما قاله رئيسه الأعلى السيد رئيس الجمهورية في عيد المعلم المصري منذ عام تقريبا.. الوزير ربما لم يستمع للسيد الرئيس؛ لأنه كان خارج الوزارة وقتها، ولم يكن يشغله حال المعلم أو ربما لأنه لم يكن يتخيل أنه سيصبح يوما وزيرا، فلم يتابع أخبار المعلمين حتى إن كانت على لسان رئيس الجمهورية!

يومها قطع الرئيس المزايدة على من يتحدثون عن مهزلة الدروس الخصوصية، مؤكدا أن المعلم المصري مظلوم ولكنه لن يستطيع زيادة راتبه؛ لأن معنى زيادة 1000 جنيه لكل معلم وهو يستحقها بالطبع، ستكلف الدولة ما يقرب من 18 مليار جنيه.. ثم أضاف الرئيس أنه لا يستطيع منع الدروس الخصوصية؛ لأن بعض المعلمين الفقراء الذين لا يعطون دروسا في حالة يرثى لها، لدرجة أنه لا يستطيع شراء حذاء والبعض يذهب للمدرسة بشبشب!

إن كان هذا هو حديث الرئيس، وهو واقعي ومؤلم وصادم، ولكنه حقيقي ولا مزايدة فيه، مع اللوم على الرئيس أنه لم يطرح حلولا لتحسين المعلم المصري، ليس حبا وكرامة لورثة الأنبياء الذين أطاح الإعلام السفيه بهيبتهم منذ مسرحية علي سالم (مدرسة المشاغبين) المنقولة بسوء نية وبتشويه لعمل أمريكي راقٍ، قام ببطولته سيدنى بواتيه، ولكن حبا وكرامة لمصلحة وطن سيفرح بحق ويتقدم بواقعية وصدق، عندما يكون التعليم هو مصعده الأصلي للوقوف بجوار دول العالم المتقدم التي يفصل بيننا وبينها سنين ضوئية.

لا يعلم وزير التعليم، أن غالبية معلميه لا يعطون دروسا خصوصية، وأن نجوم تلك الظاهرة أغلبهم من غير العاملين بوزارته، وبدلا من طرح حلول واقعية لها من ضمنها مثلا عمل ترخيص لمهنة التعليم مثل مهنة الطب من نقابة المعلمين وحدها ووزارة التربية مثل كل دول العالم، نجده يؤكد أنه سيلاحق المعلمين بالضبطية القضائية، التي سيمنحها لبعض الموظفين الإداريين.. امسك معلم.. ضبطناه يا باشا وهو يعلم الطلاب!

هل الوزير هذا أقوى من الرئيس أم أنه لا يرضى ولا يقنع بحديث رئيسه ورئيس دولته ويتحداه؟!!.. هل هذا الوزير لا يملك سوى هذا الكلام ولا يفكر في حل شامل يعرضه على الرئيس والدولة، يكون التعليم فيه قضية مجتمعية وأمنا قوميا حقيقيا، لا تنصلح إلا بإصلاح حال المعلمين أنفسهم ماديا وتشريعيا واجتماعيا، مع توفير إمكانات مادية للمدارس الحكومية، وتوحيد المناهج بدلا من سوق التعليم الأجنبي الموازي، بالإضافة بالطبع لسلة تشريعات تجرم العمل بالتعليم خارج إطار مؤسسات الدولة أو تحت رعايتها.. وبالطبع هذا لن يحدث؛ لأن الصوت العابث فقط هو المسموع، وقبل ذلك لعدم قناعة المسئولين بجدوى التعليم أو المعلم أو العلم ذاته، ولنا في جهاز عبد العاطي أسوأ مثال على ذلك.

إن هذا الوزير يعود بنا للوراء لسنوات، كان فيها طبيب أطفال يدعى حسين كامل بهاء الدين، على رأس تلك الوزارة الخطيرة، وفعل نفس الشيء وطالب بحبس المعلمين.. المثير للسخرية، أنه حظى بشرف تلك الوزارة لأنه كان الطبيب (الخاص) لجمال وعلاء، أبناء مبارك، فتمت مكافأته بوزارة التعليم، يعني كان طبيبا (خاصا) أو مخصصا لأبناء الرئيس ويحارب الدروس الخصوصية التي يقوم بشيء مثلها!!.. عادي جدا ووقتها أيضًا كانت مصر بتفرح بتوشكى، التي تم قتل دور العلم والبحث العلمي فيها وفرحنا بها كمشروع للقرن الجديد، ثم فشلت توشكى وفشل حسين كامل، وتمت إقالته بعد خراب التعليم رسميا. 

fotuheng@gmail.com
Advertisements
الجريدة الرسمية