رئيس التحرير
عصام كامل

جنة القناة وجنة الله!


بالطبع لن أكون أنا فقط أكثر السعداء بنجاح مشروع وطني يزيد من الدخل القومي، ويمنح بارقة أمل للمصريين الذين يعانون من حياة صارت عبئًا على غالبيتهم، فهناك الملايين التي تتمنى كل الخير لمصر الوطن رغم اختلافهم أو قل عجزهم ومعاناتهم تجاه إصلاح مصر الدولة، فالوطنية تجب كل ماضٍ قاس وحاضر محبط ولكن.. يبدوا أننا بحق نهرج ولا نعطي مصر قيمتها ولا نقدر عقولنا وواقعنا؛ حيث إننا استبدلنا كل ذلك بالنكت السخيفة.. كيف ذلك؟!


فمن غير الطبيعي أو المعقول أن تصير اللغة أو المفردات التي نزيفها هي خالقة الواقع.. في كل الدنيا العكس هو الصحيح؛ حيث خلق الواقع لغته ومفرداته التي تحترم عقول الناس.. فأنت تقف أمام قطار وتدرك أبعاده وموقعه ثم تقول بكل ثقة: هذا قطار ولكن أن تقف أمام سيارة حتى لو كانت الأكبر في فئتها، ثم تخلق واقعا تغيبيًا بفعل وسائل غوغائية لتصفها بالقطار، فهذا عبث وزيف قد يؤدي بنا جميعا للمهالك.

للأسف هذا ما يحدث الآن في وسط الاحتفال المبالغ به جدا، والمضر لما أسماه الكثيرون ممن يقودون دفة الإعلام بقناة السويس الجديدة، فالواقع يقول إن قناة السويس هي قناة مائية طولها ما يقرب من 193 كيلومترا، تصل بين البحر المتوسط والبحر الأحمر، تدر دخلا ماليا يقدر بما يقرب من 5 إلى 6 مليارات سنويا؛ تأثرًا بحركة التجارة العالمية في ركودها وانتعاشتها.

كيف إذن نصف تفريعة (عظيمة) بلا شك، طولها 35 كيلومترا، وفق تصريحات المسئولين، بأنها قناة جديدة!.. حتى لو تم حفر تفريعات أخرى بمقدار 10 كيلومترات من ناحية بورسعيد، لن يخلق ذلك قناة جديدة إلا في أهوائنا فقط.. نسينا المضمون والجوهر واكتفينا فقط بالغثاء وبالدعاية الصاخبة لشيء غير موجود أو غير مكتمل الوجود، لماذا؟.. لنفرح أو لندخل الجنة الأرضية أو نطالب بها قريبا من رئيس الجمهورية وحكومته التي دعت الناس للفرحة ثم تناست الأساس في الحكاية، وهو مضمونها الذي سيتمثل قريبا جدا في مطالبة هؤلاء بالعائد.. أين أموال القناة (الجديدة) يا سادة؟!

يذكرني ذلك بنكتة قديمة في التراث الإنساني عامة والإسلامي خاصة؛ إذ أراد أحد خطباء المساجد أن يبني لنفسه شهرة دينية في وسط مجتمع مهووس بالدين ولا يمارسه إلا وفق هواه.. جمعهم وقال لهم في إحدى الخطب: حدثني شيخي الطاهر النقي الجليل الورع نقي السريرة، غوث العطاشى، سراج التائهين، هادي المضلين، أن شيئين لو فعلهما الإنسان دخل الجنة بغير حساب!

صاحت الجموع متسائلة: ما هما يا شيخ، ما هما يا مولانا، فتردد برهة ثم قال: أما أولاهما فلقد نساها شيخي ومعلمي، وأما الثانية فقد نسيتها أنا!!.. ولكن قبل أن نلوم هذا الشيخ المضل، يجب علينا أن نلم ونسخر من هؤلاء الذين يريدون الجنة بتلك الخفة والبساطة والسطحية.. فقط بعمل شيئين.. ودمتم!

هل ستضاعف القناة دخلنا أو بالأحرى دخلها الذي لا يمثل سوى قليل جدا من مقدار عجز الموازنة، في بلد يعاني اقتصاديا من خلل التوزيع وقلة الإنتاج وانعدام العدالة؟.. هل ستحقق القناة في عامها الأول، مقدار ما تم إنفاقه فقط في احتفالات مبالغ فيها جدا، كان بإمكان السادات أن يدشن أكثر منها، وصخب وينتشي ويحتفل بأكثر منها عندما حفر تفريعة موازية بطول 40 كيلومترا عام 1980، أي قبل 35 عاما، وفي ظل أجواء ما بعد حرب أكتوبر المجيدة؟!

لقد كان كلام الفريق مميش، رئيس هيئة القناة، واقعيا عندما أكد أن الدخل المتوقع من هذه التفريعة أو (القناة الجديدة) حسب أهواء من يريدونها قناة جديدة، سيبلغ في أقصاه 100 مليون دولار.. مليون يا سادة، وليس مليار أي ما يقرب من 800 مليون جنيه، أي أقل من مليار في سنة.. هل يستحق هذا المبلغ الذي لا يعادل واحدا من عشرة من قيمة فؤائد شهادات الاستثمار التي حفرت بقيمتها التفريعة، كل هذه الضجة واللغة المختلقة والأحلام الموءودة مسبقا؟!.. هل كل هذا لخلق فرح وهمي؟.. هل نفرح دون وجود ما يدعو للفرح؟!.. هل مصر تفرح بحق أم أنها تنكت؟! 

fotuheng@gmail.com
الجريدة الرسمية