رئيس التحرير
عصام كامل

الأسطى محمد «عندكم حل غير إني أشتغل»؟!

الأسطى محمد
الأسطى محمد

تنتشر ظاهرة عمالة الأطفال في محافظة بنى سويف انتشار النار في الهشيم، بعد أن أجبرت الظروف الاقتصادية العديد من أطفال الأسر الفقيرة على ترك التعليم وممارسة العمل في سن صغيرة، عادة ما تبدأ من السابعة لإعالتهم، ومساعدتهم على تحمل ظروف المعيشة، وقد تسببت الحالة الاقتصادية التي تمر بها البلاد عقب ثورة 25 يناير في مضاعفة أعداد هؤلاء الأطفال الذين يملأون جنبات الورش والمصانع ويعتلون أسطح العمارات وينتشرون في إشارات المرور والميادين العامة، فضلًا عن انتشارهم في ورش الميكانيكا والمحاجر والطباعة والبقالة والتجول في الشوارع للبيع أو للتسول، تحت وطأة الحاجة والظروف الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية الصعبة، وأصبح الكثير منهم محرومين من التمتع بطفولتهم عندما تجبرهم الظروف على العمل في سن مبكرة.


من بين هولاء الطفل «محمد أحمد عبد الله» الذي لم يتجاوز عمره الـ10 سنوات، الذي بدأ حواره مع «فيتو» لاقيًا باللوم على الظروف الاجتماعية والمادية التي دفعته إلى العمل في هذه السن المبكرة، عندما سألناه عن سبب عمله الشاق بإحدى ورش إصلاح إطارات السيارات، قائلًا: «عايز أساعد أمى في مصاريف جواز أختى عندكم حل غير إنى أشتغل».

بدأ محمد حكايته بالحديث عن أسرته قائلا: «أقيم مع والدتى وشقيقى الأصغر «محمود» وشقيقاتى «هند ورحمة وهبة» بمنزلنا البسيط بالقرية، ونعيش سويًا عقب انفصال والدى عن والدتى، منذ خمس سنوات، وأعمل صبيا في ورشة تصليح كاوتش إطارات السيارات حتى أتمكن من تعلم الصنعة وأصبح أُسطى زى «عم على» وأنا أعمل في الورشة منذ عامين، بعد أن عملت لفترة في جمع الكراتين وبيعها للتجار، لكن نصحنى أحد الجيران بالعمل في مهنة حرفية حتى أتعلم الصنعة، وظروفنا المادية الصعبة وظروف والدتى الاجتماعية بعد انفصالها عن والدى منذ خمس سنوات هي دافعى للعمل وتحملى المسئولية مع أمي، خاصة أنها تجهز حاليًا لزواج أختى الكبرى «هند» وأنا أساعدها في متطلبات الزواج حتى نكون جاهزين في الموعد الذي اتفقنا عليه مع أسرة «خطيبها».

وعن الأعمال التي عمل بها قبيل العمل في الورشة قال: « منذ عامين تقريبًا اصطحبنى صديق لى وعملنا سويًا في مهنة جمع الكراتين من أمام محال السوبر ماركت والأسواق وبيعها بالكيلو للتجار، وكانت هذه المهنة تدر على دخلا معقولًا، لكن نصحنى أحد جيراننا بالقرية بالعمل في مهنة حرفية «ميكانيكى أو كهربائى أو كاوتش أو حداد» حتى أتقن المهنة في يوم من الأيام وأصبح أُسطى في مهنة منتظمة، وأحلم بأن تكون لى ورشة مستقلة في يوم من الأيام».

وحول الصعوبات التي واجهته في بداية خروجه للعمل رد قائلا: « عندما كنت أقوم بجمع الكراتين من الشوارع، كنت أتعرض للبرد القارص في أيام الشتاء، ومع مرور الوقت تعودت عليه حتى أننى كنت أنام تحت الكوبرى في عز الشتاء مع باقى زملائى الذين تعودت عليهم كل ذلك في سبيل أن أذهب لأمى وإخوتى بمبلغ يساعدهم على المعيشة.

وأضاف: «انقطعت عن الدراسة وأنا في الصف الثانى الابتدائي، ولكنى أفكر جديًا في العودة إليها مع استئناف الموسم الدراسي، على أن أنظم وقتى بين الدراسة والعمل، ولكن والدتى تطلب منى أن يكون عملى في الورشة في أيام الإجازات فقط، وأن أنتظم في الدراسة طوال العام على أن أنتظم بالعمل في الورشة خلال الإجازتين الشتوية والصيفية، ومبررها أنه مهما تعلمت من مهن حرفية أتكسب منها أموالًا فلن تضيف لى أي شيء إذا أصبحت إنسانًا جاهلًا، وأقنعتنى بكلامها وهو ما دفعنى للتفكير في استئناف الدراسة».

وأوضح أنه يتمنى العودة من جديد إلى الدراسة قائلا: « أنتظر اليوم الذي أجد نفسى فيه مثل بقية الأطفال ممن هم في سني، أذهب للمدرسة وأعود للمذاكرة، ومن أجل ذلك أقوم بادخار مبلغ من أجري، يساعدنى في قضاء احتياجات المدرسة من ملابس ورسوم الكتب والأدوات المدرسية، وأتمنى أن أصل إلى المرحلة الجامعية وأن ألتحق بكلية الهندسة لمساعدة والدتى وأشقائي، ولكن ظروفى هي من تجبرنى على العمل، وأتمنى أن يعيننى الله على المواءمة بين الدراسة والعمل، وأن يمنحنى فرصة استكمال تعليمي».

وأضاف: «أعلم أن ما نمر به من ظروف هو ما قدره لنا الله عز وجل «ربنا عايز كده.. وأكيد شايلى حاجة أحسن» فأحيانًا تضطرنى ظروف العمل للدخول أسفل السيارة لمساعدة الأُسطى في تركيب أو نزع الإطارات، وعن طبيعة عمله بالورشة قال: «أقوم بمساعدة صاحب الورشة في فك وتركيب إطارات السيارات الأجرة والملاكى والدراجات البخارية، وتزويد كاوتش السيارات بالهواء، وأتعلم من الأسطى على «صاحب الورشة» الإصلاحات بكاوتش السيارات وأنواعه ومزايا وعيوب كل نوع، فضلًا عن أسرار المهنة التي لا يعلمها إلا أصحابها».

وحول إذا ما كان يتعرض لمضايقات من صاحب الورشة أو المترددين عليها أجاب: « صاحب الورشة قال لى «أنا معنديش صبيان.. وبعتبرك ابني.. حاول تحافظ على أكل عيشك» وأنا من يومى الأول في العمل أحاول الحفاظ على نصيحته لى، أما المترددون على الورشة فهم أنواع فمنهم من يتعامل معى بعطف وأتحسس هذا في طريقة كلامه وتعامله معي، ومنهم من ينهرنى إذا تأخرت في تلبية طلبه، غير مبال بأى ظروف تمر بها الورشة حال حضوره، وهناك سائقو السيارات الأجرة أجد المضايقات من غالبيتهم، خاصة صغار السن مما يعتلون كرسى سائق السيارة «عيال وعاملين سواقين وبيتنططوا علينا»، وعن أحلامه قال: «أحلم بأن يمكننى الله من استكمال تعليمى وأن أدخل الجامعة، وأن أصبح في يوم من الأيام صاحب ورشة، ملكي، تساعدنى على مصاعب الحياة، ولكنى إذا قدُر لى أن أتزوج سيكون همى الأول هو إبعاد أولادى عن العمل المبكر، حتى لا يروا ما أمر به الآن، ففى يوم من الأيام كنت أشاهد التليفزيون، وانتبهت لبرنامج عن عمالة الأطفال، وفى هذه الحلقة ناشد ضيف البرنامج رئيس الجمهورية، بتخصيص معاش ملائم لأى امرأة تعول أولادا في المدارس (مُطلقة أو أرملة..إلخ) ويكون هذا المعاش يلائم ظروف الحياة التي ترتفع بها الأسعار كل ساعة، وظروف الأسرة حسب عدد أفرادها ومراحلها التعليمية المختلفة، وأنا أكرر مناشدة ضيف البرنامج لرئيس الجمهورية بتخصيص المعاش، الذي قد يكون سببًا في الحد من عمالة الأطفال في سن مبكرة».
الجريدة الرسمية