رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

ثقافة الكراتين


الطقس العام الحالي المتودد للسلطة في مصر قد يؤدي إلى مهلكتها دون أن يدري، كعادة طقوس منافقي كل عصر جديد، ومع كل جديد تسعى النخبة السنمدلية (ولا أحب أن أسميها المصرية) وفق خططها الخاصة للتعايش والبقاء في فتنة الآخرين، الذين سرعان ما يموتون فور الاستجابة لفتنة النخبة / السمندلية. 

وفي كل عصر يبتر النخبوي/ السمندلي، أحد أعضائه كي يكمن لفترة ثم يظهر مرة أخرى بعضو جديد يتبع به الطقس العام لجو النفاق؛ طمعا في لحم الدولة.

وعلى الرغم من سحرهم الأسود واستمراريتهم المتكاثرة في نيل ما لا يستحقون من منافذ التعبير والنشر والرأي والحرية، والتواجد على كل الموائد، إلا أن هذه السلالة الرديئة لم تصل إلى مصطلح النخبة في حد ذاته، بمعانيه التنويرية، ولم تمتلك شجاعة الاعتراف ببرجماتية النفعية (فقط يتغنون نفاقا في حب مصر).

والمتتبع لهذه النخبة من أصحاب الرأي وكتاب المقالات والأعمدة، خاصة في الجرائد القومية ووطاويط القنوات الفضائية، يجد أنهم لم يخرجوا عن التصنيف والتوصيف سالف الذكر في صدر المقال، ويتجلى ذلك في محاولاتهم في الدفاع عن الرئيس في أي خطوة يخطوها أو مشروع يقوم به لدرجة التأليه.

ومن كثرة ضجيجهم المنتشر، منعوا عن الرأي العام وربما عن الرئيس نفسه أي نقد موضوعي، بل نبحوا على كل مخلص يريد الإعمار والتنوير، وأسكتوه بفزاعة الإخوان وضد 30 يونيو، وكله تحت بند مصلحة مصر، وكم من جرائم ارتكبت بحق الوطن تحت هذا البند!

ويأتي مشروع قناة السويس نموذجا فجا على مدى نفاق هؤلاء، فمقالاتهم وآراؤهم أثناء (وعند وبعد) المشروع اتجهت جميعا نحو التعظيم والأرباح التي سوف تنزل من السماء على المصريين، وعن سيطرة وتحدي مصر للعالم، ومن حق المصريين أن يفرحوا ويستثمروا مدخراتهم (وهذا للأسف لم يتم على وتر الوطنية بقدر ما تم اللعب على تطميع المصريين في الربح المجاني والسريع).

وعند قرب افتتاح المشروع سال لعابهم المنافق في المدح من نوعية: أبشروا يا مصريون بالخير الوفير.. مبروك لمصر قناة المستقبل والحلم بات حقيقة.. وفي نفس الأسبوع خرجوا مرة أخرى كذباب القبور الأزرق، تصدر طنينها لتشتيت الحلم الذي كان بالأمس حقيقة.. نحو: ألا تطمعوا يا مصريون لن تنزل عليكم الأرباح من قناة المستقبل، فمصر تعاني العديد من المشاكل.

وخرج المتفذلكون على القنوات المسمومة، وفي حانات أعمدتهم يلبسون لباس الحكمة والاتزان والموضوعية، بأن أمام مصر الكثير من المشاكل!

كل ما سبق ما هو إلا دليل قوي على سوء الثقافة في بلادنا التي أدمنت حالة التعليب الجاهز والسلع الثقافية الأكثر رواجا؛ للوصول للمنابر الرسمية أو حتى الخاصة، فحين ينطق وزير الثقافة عبارة "كرتونة كتب" يتم توزيعها على الشعب، وهي عبارة سيئة ابنة زمن الرداءة الإخوانية التي لم تر في الشعب إلا كرتونة يتم صيد صوته بها، وهي أيضا نفس فكر الحظيرة الثقافية في زمن مبارك، وللأسف ما بين الحظيرة والكرتونة باتت ثقافتنا مرتعا لكل النواقص والتافهين من نخبة سمندلية.

على النظام أن ينتبه ويكف عن لعبة التزاوج، فقد فسد الدين حين تم خلطه بالسياسة، وفسدت الثقافة حين تم خلطها بديمومة السمندل، وكفى ما جرى للإعلام الذي تحول بقدرة قادر إلى رتب عسكرية وبوليسية ومحاكم تفتيش تفتش وتشطف المواطنين في غسيل دماغ لن يكسب منه إلا أعداء مصر!

وكلمة ليست بالأخيرة أبدا، أنتم تضحكون على مَن؟!.. هذه مصر وهذا شعبها.. كلاهما عاش وعبر أشد فترات السواد والظلام والبوار.. واستمر أسطورة عشق أبدية.. في صمت وفي ثبات.. هو يزرع، وهي تأكل.. وأنتم كم مرَّ آلافٌ مثلكم عليها، لكن أبدا لم يمنحكم ثوب الخلود.. لن يمنحكم هيبة الكاتب المصري وحكمته!
Advertisements
الجريدة الرسمية