رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«محمد مرزوق.. الدين هم بالليل وذل في الورشة».. هجر الدراسة لتسديد تكاليف زواج شقيقتيه.. يتقاضى ٦٠ جنيهًا «أسبوعيًا» نظير ١٥ ساعة يوميًا.. الأسطى الصغير: أمى باعت إحدى كليتيها بـ ٢٠

فيتو

محمد إبراهيم محمد مرزوق، طفل يبلغ من العمر 13 عاما يقيم في قرية حلابة مركز قليوب محافظة القليوبية، ويعمل سمكري سيارات، ليس له من اسمه نصيب، ترك الدراسة منذ 3 سنوات بسبب عجزه عن توفير مصاريف الدراسة والكتب الخارجية، بالإضافة إلى مصاريف الدروس الخصوصية التي اعتبرها سبب فشله، ويعيش محمد مع والدته بعد وفاة أبيه الذي كان يعمل «صولا» في الجيش، ولديه من الأخوات اثنتان متزوجتان.


محمد يتحدث لـ«فيتو» عن تلك التجربة القاسية قائلا: « كنت لا أستطيع تحمل نفقات الدروس الخصوصية فرسبت في امتحانات الدور الثانى، لأن الدروس بها مغالاة كبيرة، فتركت المدرسة لتوفير تلك المصاريف للإنفاق على أمى ولو كان المدرسون بيشرحوا في المدرسة كنت كملت تعليمى بس للأسف مفيش شرح في المدرسة خالص، ولا أستطيع أن أتحمل نفقات الدروس الخصوصية فتركت الدراسة».

وعن معاش والده وهل يكفى مصاريفه هو ووالدته قال: «لا نحصل على أي شيء من المعاش بسبب تحويل البنك لكل الراتب لسداد الديون الخاصة بنا، وهى نتيجة تكاليف مصاريف زواج شقيقتى فبالرغم من أن شقيقتى تزوجتا منذ سنوات عديدة لكن ما زالت الديون قائمة، بسبب مصاريف جهازهما لأن كل شىء زاد ثمنه ولم يكن معنا الأموال الكافية فاشترينا كل شىء بالتقسيط وبفوائد كبيرة وأصبحت الديون تتراكم وليس لنا أحد سوى الله».

وأضاف: « بسبب تلك الديون والدتى عليها الكثير من الأحكام بالسجن وفى اللحظات الأخيرة نستطيع بالكاد أن نسدد الديون قبل دخولها السجن وشقيقتاى مهددتان بالسجن بسبب قيامهما بضمان أمى في بعض الشيكات ووالدتى منذ 5 سنوات باعت كليتها بـ 20 ألف جنيه لتسدد جزءا من الأموال التي علينا لكن ما زالت الديون كثيرة فماذا نفعل؟».

وروى محمد تفاصيل عملية بيع والدته لكليتها قائلا: « تعرضنا لأزمة مالية كبيرة فسمعنا عن صاحب معمل يقوم بشراء الكلية فذهبنا إليه، وعلم بظروفنا واتفقنا معه وأجرت أمى العملية بمستشفى ناصر وأعطانا 20 ألف جنيه وأخذ باقى المبلغ وطبعا نحن ليس من حقنا أن نشتكى ممن تعرضنا منه للنصب.

وواصل محمد سرد مأساة عائلته قائلا: « نسكن في شقة إيجار وليس لدينا أي مصدر رزق وندفع 300 جنيه إيجارا، بالإضافة إلى رسوم المياه والكهرباء ومصاريف البيت من طعام ولبس وغيره، وراتبى يكفى بالكاد فأنا لا أتقاضى سوى من 50-60 جنيها في الأسبوع وهذا طبعا غير كاف للعيش وسط الغلاء الذي نعيشه، رغم أنى أعمل منذ العاشرة صباحا وحتى الواحدة ليلا فأنا أقضى معظم يومى في الشغل لكى يزيد دخلنا».

وعن المعاناة التي يتكبدها يوميا في الذهاب إلى عمله قال: « أعيش مع والدتى في القرية والورشة في المدينة نفسها وبيننا مسافات طويلة فيقوم صاحب العمل بتوصيلى إلى بيتى يوميا لعدم وجود مواصلات في تلك الفترة، وأحيانا أضطر أمشى لمسافات طويلة لتوفير أجرة المواصلات».

وعن سبب اتجاهه للعمل قال: « رأيت ظروف أسرتى وأنا خرجت للعمل بإرادتى لكى أساعد والدتى فأنا رجل البيت الوحيد بعد وفاة أبى، فوالدتى باعت كليتها فأصبحت لا تقدر على العمل، وقبل العملية كانت تعمل في البيوت وفى أعمال الزراعة أحيانا، ولكن أثرت عليها عملية بيع الكلية، فأحيانا تتأثر بها وتتعب ونضطر للذهاب للمستشفيات لعلاجها، ولا نستطيع الذهاب إلى دكتور في عيادته لأننا لا نملك ثمن الكشف».

وعن طبيعة عمله قال: « سمكري سيارات... أقوم بسمكرة السيارات وأناول الأسطى المعدات والأدوات اللازمة لتصليح السيارات وألحم ما يلزم وكل الأعمال الخاصة بالورشة تقريبا أقوم بها وأتمنى أن أكون أسطى كبيرا ويكون عندى ورشة بس أعمل إيه ظروفى أصعب منى».

ويضيف:» لا أتذكر جيدا متى بدأت العمل، لكن منذ أن كنت صغيرا، وأنا أشعر بالمسئولية فوالدى كان على المعاش وكان مصابا بجلطة وكنت مجبرا على مساعدة أسرتي، فأنا وحيد وليس لى من الأقارب سوى عم وحيد يسكن في شبرا مسقط رأس والدى ولا نعرف عنه شيئا فأنا أتذكر عندما مات والدى اتصلت والدتى به لكى ندفنه في مسقط رأسه فقال لها بالنص «مش هو مات وخلاص ادفنيه في أي حتة» ولم نره إطلاقا وليس لنا إلا الله فالكل اليوم أصبح يفكر في مصلحته فقط لا غير».

سألناه هل جربت العمل في مهن أخرى؟ فأجاب: « نعم عملت في النجارة والحدادة وأعمال أخرى ولكنها لم تكن تحقق لى الربح الكافى للإنفاق على أسرتى فتركتها واتجهت لعملى الآن الذي يعطينى دخلا أكبر من عملى في المهن السابقة فأنا مستعد للعمل في أي مهنة بس أحصل «على عائد يكفى أسرتى ويسدد ديوننا»».

وتحدث محمد عن والدته قائلا: « كل يوم قبل ما أنام أفكر فيها وفى موضوع كليتها وأنها تعرضت لحادثة حريق لأن أنبوبة البوتاجاز انفجرت فيها فسببت لها بعض الحروق التي ما زالت تتعالج منها حتى الآن، وبدعى ربنا يعطيها الصحة ويطيل في عمرها لأنها هي الباقية لى بعد وفاة والدى وزواج شقيقتيّ وبعد ترك عمنا لنا».

وحول سعادته بطفولته قال: «لم أجرب معنى الطفولة فأنا دائما شايل المسئولية وأنام وأنا أفكر في كيفية قضاء يومنا وكيفية سداد الديون الخاصة بنا فأنا دائما من هم إلى هم فليس لدى وقت لأفكر في طفولة ولا فسح ولا خروجات، وقتى كله للشغل ولأسرتى، وفيما يتعلق بالدراسة كنت أتمنى أن أصبح طبيبا كى أعالج والدتى وكل الناس الغلابة مثلنا والذين لا يستطيعون الذهاب للعيادات الخاصة، لكن للأسف انشغلت في تسديد ديون والدتى حتى لا نصبح مهددين كل يوم بالسجن لعدم سداد ديوننا، وأتمنى أن تذهب والدتى للحج أو للعمره مكافأة لها لأنها تعبت معنا جدا وبندعى الله للحصول على مسكن خاص بنا ليرحمنا من الإيجار الغالى فكل أحلامى لوالدتى ولشقيقتيّ».

وهكذا تمضى أيام الفتى الصغير، ثقيلة مريرة، لا يحمل أي منها مفاجآت سارة له، ورغم ذلك فإن الأمل يراوده في تغيير مسار حياته يوما ما.
Advertisements
الجريدة الرسمية