رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

"الطب الاستثماري" بلا حسيب ولا رقيب


كشفت الأحداث المؤسفة الأخيرة عن انعدام الضمير لدى المواطن المصري، وتفشي الاستهتار والإهمال بما يؤدي إلى كوارث بالإمكان تلافي حدوثها، لو أدى كل إنسان عمله بإخلاص وضمير.


تسبب الطمع والرغبة في مضاعفة الربح في قتل وإصابة أطفال مرضى استخدموا "محلول جفاف" غير مطابق للمواصفات الطبية، صحيح أن وزير الصحة أغلق المصنع المخالف، لكنه إجراء لا يكفي، ويجب إعدام ما ينتجه المصنع من مواد علاجية وجمع المطروح منها في الأسواق والمستشفيات، ومحاكمة صاحب المصنع على جريمته.

الأمر نفسه ينطبق على خدمات الطب والصحة في مجملها؛ لأنها تحتاج إلى متابعة ورقابة حكومية صارمة؛ لإنقاذ المواطن الذي يئن من الاستغلال والإهمال واستهتار الأطباء الكبار منهم والصغار؛ حيث حولوا المهنة الإنسانية إلى وسيلة للثراء على حساب المرضى والمتاجرة بآلامهم ومعاناتهم، وبعد أن كانت المعاناة والاستغلال سمة المستشفيات الخاصة، فيما الإهمال وغذلال المرضى عنوان المستشفيات الحكومية المجانية.

امتد الأمر تلقائيًا إلى المستشفيات الاستثمارية التي شيدتها الحكومة؛ لتكون نموذجا للخدمة الطبية المتميزة، خصوصا أن أسعار خدماتها توازي تماما القطاع الخاص، ومنها على سبيل المثال مستشفى "عين شمس التخصصي"، الذي كانت بدايته مبشرة، لكنه دخل منظومة الاستهتار والمتاجرة بآلام ومواعيد المرضى لدرجة "قلة الأدب".. المريض في هذا المستشفى يدفع الكثير وينتظر الاهتمام والرعاية التي تعكس إنسانية مهنة الطب، وتوازي أيضا ما يدفعه نظير العلاج.. لكن ما يحدث غير ذلك تماما.

ذهبت إلى "عين شمس التخصصي" بناء على نصيحة، ولما سألت عن الأطباء عرفت أن الطبيبة التي ستتابعني ملتزمة ودقيقة جدا.. لكن مر الوقت وتأخرت عن موعد العيادة ساعة إلا ربع، ولما اعترضت على التأخير، اعتذرت الطبيبة عن تأخرها بسبب ظرف طارئ، لكنها ستكون في الموعد الأسبوع التالي.. المهم أنها طلبت أشعة وسونار أجريتهما في المستشفى.. وانتظرت استلام التقرير المرفق مع الأشعات؛ لأن الطبيبة المسئولة بدأت كتابته على الفور.. تركتها نصف ساعة وعرفت من السكرتارية أنها ما زالت تكتبه، وسألت بعد نصف ساعة أخرى فقالوا إنها خرجت في مشوار وستكمل التقرير عند عودتها!! 

طبعًا لم أسكت ورحت أبحث عن حل، وعندما ضاق من يعملون في السونار من تكرار سؤالي عن التقرير، أغلقوا الباب من الداخل وامتنعوا عن الرد.. وحين جاء زميلهم ومعه جهاز أشعة يريد إدخاله الوحدة، لم يفتحوا له الباب فعلا صراخه هو أيضا.. وعندما عرفوا أنني أبحث عن المسئول للشكوى، ظهر التقرير فجأة بعد مضي نحو ساعتين.

اعتبرت ما حدث صدفة سيئة، وتمنيت عدم تكرارها عند المراجعة التالية، لكن ما حدث كان أكثر صدمة واستهتارًا.. ذهبت إلى الطبيبة في الموعد الذي حددته بنفسها وأكدته مرتين، وبناء عليه ارتبطت بمواعيد أخرى.. انتظرت الطبيبة فلم تحضر، وعندما ارتفع صوتي اعتراضا على عدم الالتزام وإهدار وقت المرضى، تطوع أحد الأطباء بالاتصال عليها، فقالت إنها في الطريق، انتظرنا ساعة أخرى وعلا صوتي مجددا، فعاودوا الاتصال عليها لترد بأنها على وصول، وعندما بلغ تأخرها ساعتين كاملتين طلبت المراجعة عند طبيبة أخرى، فرفضت الطبيبة الموجودة وقالت "على المراجعين انتظار طبيبتهم".

هنا استشطت غضبا وذهبت إلى مدير المستشفى فلم أجده، وأحالني سكرتير نائب المدير إلى مكتب خدمة المواطن فأرسلوا معي موظفة إلى مسئولة أخرى معنية بالعيادات الخارجية، وهناك وجدت أن الشكوى من تأخر الأطباء تتكرر يوميا، وأن الاستهتار بوقت المرضى أمر معتاد.. المهم حاولت المسئولة إرضائي وسعت لحل المشكلة، وأخذتني إلى مديرة الوحدة التي تولت بنفسها فحص المرضى.. وبعد تأخير ثلاث ساعات إلا ربع، شرفت الطبيبة لتبرر تأخرها بأن الجيش أغلق الطريق، فترد عليها مديرة الوحدة بأن الطريق مغلق منذ فترة وليس اليوم فقط.. بمعنى أنها تكذب وتأخرها غير مبرر!!

هذا نموذج بسيط من الإهمال والاستهتار بوقت ومعاناة المرضى في مستشفى استثماري، أرادت به الحكومة منافسة القطاع الخاص، فغدا وبالا عليها وعلى المرضى؛ لعدم وجود حسيب أو رقيب على الأطباء والفنيين والإداريين.. ويبدو أن الحال سيستمر هكذا حتى يداهمه رئيس الحكومة إبراهيم محلب، ويطيح بالقيادات فيلتزم ما دونهم.
Advertisements
الجريدة الرسمية