رئيس التحرير
عصام كامل

والنبي كفاية إبهار يا محلب!


منذ سنوات خرج علينا المتهم المدان بالتربح والسرقة من المال العام المدعو (أحمد نظيف)، ليقيم فرحا شعبيا أو بلغة المصريين البسطاء هيصة وزيطة؛ وذلك ابتهاجا بالحكومة الإلكترونية، ورغم أن الكثيرين زاطوا مع فرح العمدة أو قل رئيس الوزراء، ولم يفهم أحد وقتها ما هو المقصود بالحكومة الإلكترونية، في بلد مات في مياهها الإقليمية 1400 مواطن غرقًا؛ بسبب مركب بائس يمتلكه أحد المقربين لنظيف وأمثاله.. 

وفي نفس الليلة ذهب رئيس الفساد مباركهم هو والسيدة حرمه للتلويح بعلم مصر في استاد القاهرة، عندما فاز فريق الكرة على منتخب آخر.. بالطبع كانوا يرددون تحيا مصر أو شيء من هذا القبيل!

ما هي مصر إذن؟، هل هي موسى كوت والباشا كوست وتشيل أوت ومنتجعات الجنة الأرضية وكومباوند السادة الأثرياء الذين ينعزلون يوما بعد آخر عن مصر الأخرى التي لا يسمعون عنها، لدرجة أن مجموعة من الشباب التافه المتهافت لكل مغامرة كيوت تخرجه من حالة الترف الممل قرر عمل رحلة لمصر الأخرى وذهبوا لحي عابدين للفرجة على المصريين الذين يسمعون عنهم في مصر الأخرى؟!.. حدث ذلك منذ شهور وصورته إحدى فضائيات التغييب واحتفت واحتفلت بفكرته الرائعة!

ثم أرادوا تكرار التجربة، ولكنهم خافوا على أنفسهم من المخلوقات الغريبة في مصر الأخرى، مصر الحواري والعشوائيات والأمراض التي تعالج بالتسول والفقر العادي، العلامة الأساسية لأغلبية المصريين، خشوا على أنفسهم من العدوى منا ومن شم رائحتنا، فقاموا بعمل محاكاة لذلك في سرادق كبير في أحد أماكن الجامعة الأمريكية التي ينتمون إليها أكثر مما ينتمون لمصر الواقعية.. حدث ذلك وبالطبع كان البعد الرأسمالي حاضرا، فتاجر أحد هؤلاء الأولاد المرفهين بالفكرة وعمل سبوبة مش بطالة من الفرجة على المخلوقات المصرية الغريبة، ودفع كل من يريد الفرجة علينا نحن الكائنات الغريبة التي تحيا قريبا منهم ولكنهم مطعمون جيدًا منا ومن بلاوينا وأمراضنا وعدوانا، اللهم احفظهم منا.. ولكن ما يهمنا هو أن رئيس وزرائنا الحالي يبدو أنه لا يعلم عن مصر التي يحكمها أو ينفذ سياسات رئيسها أكثر مما يعلمه هؤلاء عن مصر، وربما شاهدنا مرة في السينما أو في مسلسل رمضاني.. كيف ذلك؟

فبعد غرق ما يقرب من 40 روحا بريئة (حتى تاريخه) في مياه النيل منذ أيام قليلة، خرج علينا ليبشرنا بأن مصر ستنشئ وكالة فضاء وستكون مفاجأتها للعالم!!.. محلب إذن يبهرنا، طيب ابهر المصريين أولا بطعام غير ملوث أو كوب مياه نظيفة، وإللي تحتاجه أرض مصر يحرم على الفضاء يا عمنا!

طيب ابهر المصريين أولا على الأرض وبعدين ابهر العالم بوكالة فضاء أو حتى أي كلام في الفضاء!.. طيب حافظ أولا على أرواح البشر التي تزهق بحرا وبرا، ولكنها لم تزهق جوا بعد؛ لأنهم يطيرون فقط في أحلام الخيال التي ينسجها.. طيب ابهرنا بمحطة تحلية للمياه تريحنا من هم سد النهضة الذي سيعطشنا جميعا، خاصة أن سيادتك صرحت منذ أيام في أفريقيا بأن مفاوضات السد مطمئنة!

نطمئن إذن أن السد يتم بناؤه يوميا وأن العطش قادم لا محالة.. طيب نفترض أن أثيوبيا طيبة وبنت حلال وناوية على خير.. فكيف يكون الحال إذا قل منسوب النهر لأسباب طبيعية، مثل قلة الأمطار على هضبة النيل في المنبع، وتزامن ذلك مع فترة حجز المياه عند السد، ماذا ستفعل سيادتك وماذا يفعل الوطن الذي تتعاملون معه بخفة وبساطة لا تليق به وبأهله أو بأي إنسان منحه الله قليلا من العقل؟

على فكرة، السعودية التي خطط مدنها مصريون، وعلم أبناءها مصريون، وعالج مرضاها مصريون، هي وكل دول الخليج ستفتحح في 2018 محطة تحلية مياه عملاقة على البحر الأحمر، تضخ يوميًا 600 ألف لتر مياه.. نعم يعني أكثر مما يوفره نهر النيل لنا يوميًا.. هل تعلم سيادتك أن لنا سواحل طويلة على البحر الأحمر، وأنه أيضًا هناك شيء اسمه البحر المتوسط لنا عليه سواحل تمتد حتى آلاف الكيلومترات؟.. أيهما أولى يا أفندم قطار كهربائي فائق السرعة يخدم فئة محدودة نهبت مصر من رجال الأعمال أو محطة فضاء أم مياه نشربها وتزرع أرضنا العطشانة؟!.. والنبي يا عمنا كفاية ابهار وعيش معانا في مصر التي يتفرج عليها شباب الجامعة الأمريكية من بعيد! 

fotuheng@gmail.com
الجريدة الرسمية