رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

لا وجود للصحافة المستقلة!


لم تكن مصر منذ مطلع الستينيات وحتى وقت قريب في عصر مبارك، تعرف ما يسمى خطأ بــ"الصحافة المستقلة"، والصحيح أنها "صحافة خاصة" وبينهما فارق هائل، فهذا النوع من الصحافة يموله رجال أعمال لهم مصالح يلزم للدفاع عنها بث رؤى وأفكار تحقق تلك الأغراض، بصرف النظر عن مصالح الناس أو الصالح العام، الأمر الذي يجعل استقلالها المهني لا أقول محل شك على إطلاقه، بل محل نظر ومراجعة على أحسن تقدير.. فصاحب الجريدة أو الفضائية الخاصة، هو رجل أعمال بالأساس وليس رجل سياسة أو إعلام، ومن ثم فالصحافة عنده مجرد "سبوبة" أو سلعة أو مشروع يدار كسائر مشروعاته التي ينتظر منها ربحًا، دون النظر لما تتمتع به الصحافة كمشروع ثقافي تنويري من خصوصية، وهو ما يفسر لنا صعوبة أوضاع بعض الصحف الخاصة التي ضربتها أزمات طاحنة حرمت العاملين فيها حتى من أبسط حقوقهم المادية، بصورة فاقت بعض الصحف القومية التي تشتد حاجتنا إليها الآن كـ"رمانة ميزان"، ويصبح الحفاظ عليها فريضة مهما يتحامل البعض عليها ويتهمها بالانحياز للحكومة والدفاع عنها بالحق والباطل، رغم قناعتنا بأنها - أي الصحف القومية - تشوبها سلبيات كثيرة، لكنها أبدًا لم تكن يومًا معاول هدم في بنيان الحرية أو مقومات الاستقرار أو أركان الدولة مثلما تفعل بعض الصحافة الخاصة بإشاعة الإحباط والسوداوية والإثارة، وبث خطاب زاعق يخلو أحيانًا من اللياقة ويمتلئ كثيرًا بالتجاوز!!


ولا يعني ذلك أن نعفي الصحافة كلها - قومية أو خاصة - من التسبب فيما وصلنا إليه اليوم من تردٍ في الخطاب، واستقطاب وتشويش يرجع لعلل وأوجاع تعاني منها الصحافة ذاتها، وآفات لم تسلم منها، مثل غياب الموضوعية وتراجع قيم المهنة وشيوع السطحية والجمود والتحيز والازدواجية وعدم تحري الدقة وصدق المعلومات والانزلاق إلى مهاوي البذاءة والخلو من التحليل الصحفي الجاد المستمر، والتواصل بين الأجيال وتداول الخبرات وعشوائية التوظيف بهذه الصحف، ما يفسر غياب التجديد وعدم ظهور عناصر فذة وأجيال واعدة تحاكي جهابذة المهنة وروادها الذين صنعوا أمجاد صاحبة الجلالة.

ولعل ما يؤكد صحة ما ذهبنا إليه هو الحيرة وصعوبة الاختيار أو العثور على من يصلح لمنصب رئيس تحرير كلما دعا للتغييرات الصحفية داع، ما يؤكد ندرة الكفاءات والكوادر، الأمر الذي يحتاج حلولًا جذرية تضبط المنظومة الصحفية، وخصوصًا في صحفنا القومية التي مهما قيل في نقدها، فسوف تظل حصن أمان للمهنة وملاذًا لحملة الأقلام، وبوصلة حقيقية للرأي العام بعيدًا عن سيطرة المال السياسي.
Advertisements
الجريدة الرسمية