رئيس التحرير
عصام كامل

"خدعة" أسعار الإنترنت الجديدة


"تمخضت قضية تخفيض أسعار الإنترنت، فولدت وهمًا"، تلك هي العبارة التي تلخص العيدية التي قال وزير الاتصالات خالد نجم، أنه قدمها للمصريين، فلا العيدية وصلت، ولا الناس قبلوها ولا حظيت برضاهم.


منذ توليه منصبه قبل 4 أشهر ونحن نقرأ تصريحات مبشرة للوزير الذي حاز على لقب وزير "الإنترنت"، حتى اعتقدنا أنه سينجح في إدخاله مجانًا وبسرعات خيالية لكل بيت مصري، لكن للأسف جاءت النتيجة محبطة ومخيبة للآمال، وتكشف عن رضوخ الدولة لإرادة الشركات، وتفضح نهمها في "شفط" الأموال من جيوب المصريين بشعار "ادفع أكتر تأخذ خدمة أسرع، وإللي مامعاهوش مايلزموش".

ولمزيد من التوضيح، أنا واحد من ملايين المصريين المشتركين في الإنترنت المنزلي بسعة غير محدودة على سرعة 512 وأدفع 95 جنيها، وهذه السرعة بشرنا الوزير بأنها لا ترقى لمستوى استهلاك المصريين وقرر إلغاؤها، المفروض بعد الإلغاء وطبقا لوعوده أن أحصل على سرعة أعلى بمبلغ أقل، أو على أسوأ تقدير نفس السرعة بمبلغ أقل، لكن ماذا حدث لي ولملايين مثلي على أرض الواقع؟

أصبحت أمام 3 خيارات، إما أن أشترك في باقة بـ50 جنيها واستهلاك 10 جيجا، أو في باقة بـ95 جنيها واستهلاك 100 جيجا، أو بـ140 جنيها واستهلاك 140 جيجا.

وباقة الـ50 جنيها ليست أكثر من وهم كبير، وعلى أرض الواقع لا تصلح للاستهلاك المنزلي أو حتى الآدمي؛ لأنها ستنفد بعد أيام قليلة من بداية الشهر، لا تكفي لمشاهدة فيديو على اليوتيوب، ولو قررت أن تلجأ لتحميل أي شيء سوف تنفد في ساعات وليس أياما، وستضطر إلى الاستعانة بالباقة الأعلى وهي الـ95 جنيها المحدودة أيضًا باستهلاك لا يتجاوز 100 جيجا، إذن ما سيحدث معي ومع الملايين من المشتركين هو أننا سننتقل من استهلاك غير محدود إلى استهلاك محدود بنفس السعر، تلك هي هدية الوزير الذي ظل يبشرنا بها منذ مجيئه!

ثانيًا، كيف تكون 10 أضعاف السرعة بضعف واحد للفلوس، بمعنى لماذا الـ10 جيجا بـ50 جنيها، والـ100 جيجا بـ95 جنيها؟.. ولماذا لا يكون هناك نظام وسط بين الـ10 والـ100 جيجا بنصف السعر مثلا؟

هذا معناه أن هدية وزير الإنترنت تستهدف نقل الناس من نظام استخدام غير محدود بفلوس أقل، إلى نظام محدود بفلوس أكثر؛ لأن نظام الـ50 جنيها لن يشترك عليه أحد، وسينتقل المشتركون إلى نظام الـ95، والمائة وأربعين، والمائتين، وهكذا.

هدية الوزير سوف تجبر كثيرا من الجهات على غلق "الواي فاي" كالأندية والهيئات والشركات، بل بيت عائلتك أو أصدقائك أو أقاربك، وستمنعك من ميزة استخدام الإنترنت خارج منزلك، وسوف تصبح هذه الميزة من الماضي؛ لأن نظام السعات المحدودة الجديد لن يسمح بدخول عشرات الأشخاص في وقت واحد على النت.

لا أحد ينكر نوايا وزير الاتصالات الصادقة في الارتقاء بمستوى سرعة الإنترنت وخفض أسعاره للمستهلكين في مصر، فالرجل أمضى 4 سنوات في دبي، ويدرك حجم تخلف مصر والترتيب المتأخر الذي تحتله بين دول العالم في هذا المجال، ولكن لا يجوز أن يتم تأهيل وتبشير الناس منذ 4 أشهر، ثم نفاجأ بإلغاء ميزة الاستخدام غير المحدود.

سيادة المهندس خالد نجم، لقد احتاج الرئيس السادات 12 يوما ليتفاوض مع الصهاينة المراوغين ويسترد سيناء، ولست في حاجة إلى 12 شهرا؛ لتتفاوض مع شركات استنزفت ولازالت تستنزف من جيوب المصريين المليارات دون وجه حق، المصريون يستحقون أكثر من ذلك بكثير، وأرجو أن تتراجع عما أعلنته من أسعار وتنحاز لمئات الملايين من المطحونين، الذين أصبح الإنترنت بالنسبة لهم هو متعتهم الوحيدة في الحياة.
الجريدة الرسمية