رئيس التحرير
عصام كامل

وزير التعليم ونتيجة «القرائية»


برزت «القرائية» - لمدة ثلاثة أعوام في تصريحات وزارة التعليم، فأوحت للرأي العام بقرب تحقيق معجزة تعليمية، وتم إفراد مساحة كبيرة لكوادرها في مختلف الإدارات، وأصبح تدريب «القرائية» مجيزا للترقية، وزادت معزوفة الشكر والمدح في هذه التجربة، حتى جاءت المرافقة بأن مليونا و200 ألف طالب في المرحلة الابتدائية لا يقرأون ولا يكتبون!


وفي اعتقادي - كانت التحركات بعد هذا الإعلان متأثرة بضغط الرأي العام الساخط على العملية التعليمية برمتها، فبينما كانت إحدى أهم ثمار القرائية من وجهة نظري شفافية الكشف عن هذا العدد، وإجراء الاختبارات – قدر الإمكان – في جو من المراقبة التي تمنع الغش – نسبيا، إلا أنه فجأة ومرة واحدة بدأت تخرج تصريحات لا تتناسب مع ما تم الكشف عنه.

أول هذه التصريحات إعادة تأهيل المعلمين الذين ظهرت عندهم نتائج ضعيفة، وتصاعد الأمر للتفكير في امتحانهم، واختبارهم دون أن نعرف مثلا مصير من سيرسب في الاختبار، وشعر المعلمون مع هذه التصريحات بالإهانة.

ثانيا: تم منع الإجازة الصيفية للطلاب الضعاف، وإحضارهم للمدرسة، وعمل دورات لهم لمدة أسبوع، زيدت فيما بعد لفترة أطول.

ثالثا: التوعد إذا ما استمرت النتيجة لهؤلاء الضعاف كما هي، فإن التحقيق والخصم والمجازاة تنتظر المعلم الذي ستفرز نتائج اختباراته عن تلاميذ ضعاف، وتحت ضغط الخصومات من المعلم، يمكننا تخمين النتيجة التي سيتم إعلانها قريبا.

من وجهة نظري، أدارت الوزارة ملف القرائية متأثرة بصراع نفسي من ضغط الإعلام، فزادت ظاهرة تبادل اللوم بين الوزارة والمعلمين، كأن هؤلاء غير هؤلاء، فتصريحات الوزارة بشأن قراراتها تجاه المعلمين توحي للرأي العام بوقوع المسئولية على المعلمين وحدهم، وليس على السياسات التي يقرها ديوان الوزارة ويطبقها باقي المعلمين في مختلف أنحاء الجمهورية، بل وصل الأمر لحد اتهام المعلمين صراحة أمام رئاسة الجمهورية أنهم سبب الوضع الراهن في حال التعليم، مع التبرئة الكاملة لسياسات وقرارات الوزارة.

مبدئيا أرغب في توجيه كل الشكر لجميع المعلمين الذين عملوا في القرائية، وأرغب في توجيه الشكر للوزارة في اللحظة الأولى التي تحلت فيها بشفافية إعلان النتيجة رغم سوئها، وكانت هذه اللحظة الاستثنائية قد تمثل فارقا في مسيرة التعليم لو تم التعامل فيما بعد بشكل مختلف.

وأقترح على وزارة التعليم أن تشكل لجنة محايدة من خبراء التعليم، خاصة أن الوزارة تمتلك مجموعة من الكوادر الشابة والميدانية يمكنها أن تفعل المستحيل، لكنها تصر على ألا تراهم، حيث تقوم هذه اللجنة بعد توفير المعلومات الكافية لها بدراسة حالة لما حدث.

ويمكن لمجموعة الأسئلة التالية أن تنير الطريق: هل كانت لدينا دراسة حول عدد الطلاب الضعاف قبل تطبيق البرنامج حتى نقيس نجاح أو فشل القرائية؟ بأي مرجعية نسبية قيمنا هذه التجربة؟ وإذا كان المعلمون يحتاجون تنمية مهنية، فهل يقع ذلك على عاتقهم وحدهم؟ أليس هناك جهات أخرى مسئولة عن ضعف هذه التنمية؟ لماذا حديث الوزارة في الفترة الأخيرة كله عن المحاسبية وليس عن محاولة تغيير سياسات أدت للوضع القائم؟ هل المطلوب الآن تسوية النتائج على الورق وإخراجها في أجمل صورة؟ بالنسبة للصحافة هل تتعامل مع قضايا التعليم بمنطق الفرقعة الصحفية؟

في اعتقادي، ما كان يجب أن تتحرك الوزارة فعليا لحله ليس الانطباع الذي تركته هذه النتيجة في الرأي العام ومحاولة إزاحة أثره بإعلان نتيجة أفضل قريبا، بل كان يجب ولا يزال يجب أن تتم دراسة علمية لهذه النتيجة، أين تركزت أعداد الضعاف؟ أين كانت أقل؟ ما العوامل التي أدت لذلك؟ ما الفروض وراء هذه النتيجة؟ ما الفروض التي قد تغير من هذه النتيجة في ممارستها الدائمة وليس في وقتها الراهن فحسب؟ هذه هي الطريقة التي يجب أن تتعامل بها الوزارة مع مشكلة القرائية من منظوري.
الجريدة الرسمية