رئيس التحرير
عصام كامل

السماء والقصاص العادل لجمال عبد الناصر!


لا يوجد في العالم زعيم أحب شعبه وأحبه شعبه، وخرج لوداعه وداعا أسطوريا لم يسبق مثله على كوكب الأرض، ومع ذلك شنت ضده أعتى حملة في التاريخ من الأكاذيب والافتراءات، جند لها أقلام وكتب وكتبة وصحف ودور نشر وفضائيات، وإذاعات مثلما حدث مع جمال عبد الناصر !


كان الهدف-طبعا-ليس شخص الرجل الذي رحل..فقد رحل..وإنما النموذج ذاته حتى لا يتكرر بعده أبدا..مصحوبة من البعض بشهوات الانتقام..وعند هذه المهمة غير المقدسة وغير الأخلاقية اجتمعوا معا..من أمريكا إلى إسرائيل..ومن الإخوان إلى الاقطاعيين..ومن حكام عرب إلى فشلة في الداخل..وللأسف تحصنت الأجيال التي عاصرت الرجل بدرجه أو بأخرى؛ لأنها عاشت وشاهدت..أما الأجيال التالية فلم تحصل -إلا من رحم ربي كما قالت لنا العظيمة القديرة فريدة الشوباشي-على التطعيم المناسب فلا هي أجيال عاصرت الرجل، ولا أخذت نصيبها الصحيح والحقيقي من التعليم ولا من الثقافة، ولا من التربية الوطنية ولا بحثت عنها بعيدا عن الدولة، فصارت كائنات سطحية تعتمد على الثقافة السمعية..تحفظ ولا تفكر..تسمع ولا تسأل..تستسهل دون الرغبة في البحث والتحقق..لا تعرف الفرق بين الكلام المرسل وبين الكلام الموثق ولا تعرف الفرق بين خطاب الإنشاء وبين حديث الأرقام..فتحول البعض منهم إلى كائنات ببغائية تردد كأسطوانات مدمجة لا عقل ولا وعي ولا إرادة!

قالوا لهم إن السد العالي-مثلا -أضر البلاد وأثر في التربة فلا تجدي الأقلام الشريفة نفعا في الرد، إنما تتدخل السماء بالجفاف الشهير في تسعينيات القرن الماضي؛ لينقذ السد مصر من عطش محقق وتنعم مصر خلفه بأمان الارتواء!

قالوا لهم - كذبا -إن القطاع العام سبب البلاء كله وإنه انتهى من العالم فيدركون وبعد فوات الأوان أنهم خدعوا ليفرطوا بسهولة في ثروة بلادهم التي بناها الشعب، وليس الحاكم وحده وأنهم فقدوا صناعات مهمة هي الأساس لأي تقدم فضلا عن تشريد الملايين، وها هم يسعون ويطلبون استعادة أملاكهم من جديد!

قالوا لهم..كذبا. ـ إننا صرفنا أموالنا على أفريقيا في الحروب..ثم استفاقوا على أمننا، مهددا إسرائيل بل وحتى قطر ترتعان في القاره السمراء، تآمرا وشرا، ويعلمون متأخرا جدا أن كل ما أنفقناه عاد لنا أضعافا مضاعفة تصديرا وأمنا وأن قواتنا لم تذهب للكونغو للقتال، وإنما شاركت في قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام ككل دول العالم !

قالوا لهم ـ إفكا وتزييفا ـ إننا أرسلنا قواتنا خطأ إلى اليمن فإذا وبعد سنوات وفي حرب أكتوبر ندرك أن الأمن القومي يبدأ من هناك، ونغلق المضيق في الحرب كأحد أسباب النصر وبعد سنوات أخرى..يتأكد الأمر كله!

قالوا لهم ـ كذبا ـ إن روسيا كانت خطرا ، وإن أمريكا تمتلك وحدها كل أوراق اللعب في المنطقة، وتمر الأيام ويلعن فيه المصريون أمريكا ويرفعون صور رئيس روسيا!

قالوا لهم إن بريطانيا كانت مدينة لمصر.. وتتدخل السماء وتخرج الوثائق لنعرف أنها أموال خدماتنا لدول الحلفاء في الحرب العالمية الثانية قمنا بها بالإكراه من المستعمر، وليس قروضا استدانتها بريطانيا، وبما يكلل العهد كله بالعار..ملكا وحكومات وأحزاب!

قالوا ـ بهتانا ـ إنه ألغى الأحزاب وأمم الصحافة؛ لينفرد بالحكم..وكان الرجل يريد إنجاز تحول اجتماعي واقتصادي كبير لا يقبل الصراع الداخلي..وإذ إننا وبعد رحيله بخمسة وأربعين عاما كاملة.. يطالب المصريون بإلغاء الأحزاب أو إعلانهم على الأقل فقدان الأمل فيها..ويطالبون بالرقابة على الإعلام والحسم مع رجاله!!

قالوا لهم ـ زورا وكذبا ـ إن الإخوان ظلموا وسجنوا بلا سبب..وتمر الأيام ويلعن فيه المصريون الإخوان ويعرفون حقيقة المؤامرات كاملة، ويعرفون من الظالم ومن المجني عليه..بل ويطالبون بعودة حسم عبد الناصر معهم!

قالوا وسعدوا وفرحوا بهجوم الشعراوي إمام الدعاة على عبد الناصر..وإذا بالامام يرى رؤية تدفعه لزيارة ضريح الزعيم، وقراءة الفاتحة له ويصطحب معه محرر ومصور الأهرام في واقعة شهيرة؛ كي يسجل للتاريخ أنه ختم حياته بموقفه الأخير !

انها عدالة السماء التي دافعت عن رجل عند ربه..رحل وهو يوقف نزيف الدم العربي بعد أن بنى ما يوفر في عهده  ـ مسكنا مناسبا وفرصة عمل شريفة وفرصة تعليم حقيقي، وفرصة علاج متكاملة لكل مصري..لا فرق بين فقيرهم وشريفهم..بل وربما فقيرهم وضعيفهم أولا..ورحل شريفا عفيفا طاهر اليد..راضيا مرضيا!
الجريدة الرسمية