رئيس التحرير
عصام كامل

آه يا بَلَح!


بأمانة شديدة.. انحسرت مساحة البهجة بالشهر الفضيل بصورة ملحوظة خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، والسبب في ظني هو حالة التوتر السائدة والمتجددة، التي نسأل الله أن تنتهي عاجلًا.

من شواهد ضآلة مساحة البهجة: اختفاء المسميات الدلع للبلح مثل روبي وهيفاء وليلى علوي، وحتى عزيزة الخنفة.. إلخ.. وصار الزبون يشتري البلح تأدية واجب وعادة روتينية بلا استمتاع، بل إن طقس شراء البلح صار مناسبة للتريقة والتلقيح والتعبير عن الغضب.

صديق دخل على حماته باثنين كيلو بلح، وقال لها جبت لك بلح السنة دي يا حماتي.. فسألته اسمه أيه؟.. قال لها دا بلح "حسبي الله ونعم الوكيل"!.. ردت الحما الصايعة وقالت له أنا بقى جبت لك كيلو بلح كدة.. سألها اسمه أيه؟ قالت له "منك لله".. وإذا كانت اللقطة المذكورة خاصة بموسم الشهر الفضيل، فمن الوارد أن تمتد لباقي أيام السنة وعلى معظم السلع.. عندئذ قد يذهب موظف مسكين إلى الجزار ويقول له: اقطع لي ربع كيلو من الحتة دي، فيسأله الجزار واسمها أيه الحتة دي؟.. فيقول المسكين اسمها "ربنا ينتقم منك" من غير عضم!!

في الإفطار الرمضاني بالمطاعم والأماكن السياحية السوبر، هناك "المشروب الأساسي" كما هو متبع، وهو في الواقع عدة مشاريب.. لكنها من باب احترام طعم رمضان لا تخلو من "منقوع البلح" الذي تختلف صورة تقديمه من مكان لآخر.. فمثلًا في مطاعم سيدنا الحسين والسيدة زينب المشروب الأساسي بلح باللبن، وفي العتبة بلح بالسوبيا.. أما في فنادق ومطاعم الفكة العالية فهو إما بلح بالصودا، أو بلح بالثلج، أو بلح سِك؟!!

*"أقَلّ مَوَّال بينَزَّه صاحبه".. مثل شعبي مصري كانت تردده أمي رحمها الله.. المثل فيه كل السعادة والرضا بالقناعة بالمقسوم.. الآن تراجعت حالة الرضا عند الناس.. في رمضان يشتري الموسرون اللوز والجوز والفستق وعين الجمل والقراصيا.. ويكتفي البسطاء بالبلح.. زوجة الحاج أوكا صاحبي، طاير من قاموسها القناعة.. مصمصت شفتيها استنكارًا لكيس البلح الرخيص الذي دخل به عليها في أول رمضان.. الرجل كان رابط الجأش حتى لا يفسد بهجة الشهر الفضيل، وقال ماذا يضير لو أطلقنا لخيالنا العنان لإدراك السعادة؟

اذهبي وأحضري الأكواب.. ذهبت الوليَّة وعادت بالأكواب.. فأمسك كوبًا ووضع فيه البلح وكتب عليه "بلحجَمَل" وقال لنتصور أنه عين الجمل.. ووضع بلحًا في كوب ثانٍ وكتب عليه "بلحنْدُق" وقال لنتصور أنه بندق.. وبلحًا في كوب ثالث كتب عليه "بلحُسْتُق" على أنه فستق وهكذا.. أعجبتني الفكرة العبقرية فطبقتها عندي.. وتركت لأم العيال مهمة الكتابة، وإذا بخميرة النكد تضع البلح في الأكواب، وتكتب على كل كوب "بلحَسْرَة"!
الجريدة الرسمية