رئيس التحرير
عصام كامل

ترزية قوانين الشر


أكاد أجزم بأن الحكومة سوف تناور بالمادة 33 من قانون مكافحة الإرهاب. لتكون في مفاوضة مع النقابة لإلغاء المادة بشرط أن تتنازل نقابة الصحفيين عن المطالبة بتعديل المواد – المسخرة - 26 و 27 و29 و37.


والتشدد الذي تعلنه الحكومة الآن في بقاء المادة وتحويل السجن إلى غرامة تصل إلى نصف مليون جنيه ليصبح السجن هو النهاية المحتومة لكل صحفي طالما أرادت السلطة أن تتخلص من رذالته هو من سبيل المناورة.

والحكومة في مصر تعمل بتخطيط وإعداد لمجموعة أشبه بترزية القوانين في عهد مبارك عندما كان يخرج القانون وقد تحولت كل مواده إلى خناجر وأشواك دون أن نجد فيها وردة واحدة.

وترزيه القوانين في مصر خبراء يتعلم منهم إبليس نفسه ومصر قدرها أن تتكاثر فيها نوعية الترزية كتكاثر النباتات الطفيلية.

وإذ أردنا أن نعرف أن ثورة يناير وموجتها الثانية في 30 يونيو لم تؤثر في إمبراطورية الترزية التي تنبثق عنهم الأرض وقت اللزوم ليقدموا قرابين "للآلهة" أسف الحاكم.. أي حاكم وبالتالي فهي أكبر من أن تؤثر فيها أي ثورة في التاريخ.

كان السادات بطلا للحرب والسلام وعندما اقتربت نهاية ولايته الثانية فجأة خرج له الترزية بمشروع لتعديل المادة 76 من الدستور لتجعل بقاءه بالسلطة أبديا وتتغير من مدتين إلى مدد أخرى.

ومن خلال وثيقة ممهورة بالدم تقدم أيضا مجلس النواب لمبارك بعدما كان قد وعد في بداية عهده أنه لن يستمر أكثر من مدتين. ليطالبوه - باعتبارهم ممثلين للشعب - أن يستمر مدي الحياة واستمر مبارك. ليتم إزالته بجراحة كبدت مصر خسائر كثيرة لأن الحاشية كانت تري أن مبارك أهم من مصر نفسها!

وبعد مبارك جاء مرسي وبنفس المهارة جاء الترزية وسنوا له إعلانا دستوريا أعطي له سلطات لم يحصل عليها أنبياء الله ورسله عليهم صلوات الله وسلامة. فجعلوه لا يُسأل عما يفعل وليتحول التشريع من أداة تحصين إلى معول هدم، وفي وقت قياسي، وانتهي حكم مرسي بعدما كبد الشعب دماء الآلاف من الأرواح ليلحق بالذي تحول بالقوانين والتشريعات من بطل إلى ديكتاتور ليلحق بسابقيه مبارك والسادات مع اختلاف المقصد والهدف وشكل النهاية ورغم وطنية السادات التي لا خلاف عليها إلا أنه لم يحصد من تعديل الدستور إلا وزره ووزر من عمل به من بعده.

وقانون الإرهاب رغم أنه جاء عقب تشريعات كثيرة صدرت بقرارات وفي غياب برلمان إلا أنه أشبه - في مواده التي تحارب الصحافة والتي تصب في صالح الإعلام الخارجي وربما المغرض منه – بالقشة التي قصمت ظهر البعير وأظهرت سوء المقاصد وليس حسن النوايا.

ويأتي تراجع رئيس الوزراء إبراهيم محلب عن وعوده بالعمل على إلغاء المادة 33 من قانون مكافحة الإرهاب ليؤكد أن محلب نفسه غير مشارك في المهزلة وأن هناك ترزية متمرسون في سن القوانين التي تحيل الشعب إلى مجرد أبواق تنطق بما يريدون ويستخدمون غالبا الحق في الوصول إلى الباطل.

أقول والتاريخ يحكي أن صناعة الديكتاتور مثل صناعة العربة الكارو في عصر الفضاء لا بقاء له. ولو كانت التشريعات الجائرة والمواد التي تعمل على سلب المجتمع ومهنة الصحافة للحقوق الطبيعية فعلينا أن نسترجع تشريعات السادات ومبارك ومرسي نجدها أنها كانت هي العدو الأول لكل منهم.. الأمر الذي يؤكد أن الترزية المتخصصين في زراعة قوانين الشر هم شياطين وليسوا رجال قانون. لأن العرف يأتي بعد الشرع كمصدر من مصادر التشريع.

والعرف والمنطق والإنسانية ترفض أن يكون الشعب من خلال صحافته الوطنية وإعلامه مجرد أبواق تنطق بما يملي عليها

إن المواد التي اعترضت عليها نقابة الصحفيين لن تخدم الأمن ولن تقضي على الإرهاب بل هي أكبر داعم له لأنها تعمل على إسكات صوت الصحافة الوطنية لصالح مثيلتها الخارجية والتي كثير منها مغرض وقد تعتمد في مصادرها على العناصر الإرهابية نفسها.

أرجو أن يتدخل الرئيس السيسي ليٌخمد الفتن التي تنطلق في صورة مواد يتم دسها في قوانين لتكون أشبه بالسم في العسل.
الجريدة الرسمية