رئيس التحرير
عصام كامل

حرية الصحافة وفتنة المنتفعين


استعداء المجتمع للصحافة والإعلام بسبب قانون الإرهاب ومحاولة توصيل الصورة إلى الرأي العام على أن الصحافة ترفض القانون، من الأمور الشاذة التي سوف يدفع الشعب ثمنها ومحاولة فاشلة للنيل من الصحافة.


أزمة قانون الإرهاب جمعت بعض العناصر التي ترى في النفاق وقلب الحقائق وسيلة لتحقيق المكاسب، يدعمها عدد من الصحفيين أنفسهم، الذين أدمنوا العيش على فتات موائد كل الحكومات والأنظمة في مصر، وعدد ممن يرون في أنفسهم نشطاء أو أصحاب مصالح وأهداف، وما ينتهي نظام حتى ينقلبوا عليه كعربون صداقة ومحبة وإثبات ولاء لما هو قادم، دون أن يشعروا ولو للحظة بخجل أو بتأنيب ضمير، بالإضافة إلى رموز الفساد التي فضحتهم الصحافة، ومنهم مجموعات رجال أعمال عصر مبارك الذين نهبوا الشعب وامتصوا دماءه، الكل تضامن وتضافرت جهوده ليتولون دعم ما يسمى بالدعوة لمقاطعة الصحف والمواقع الإلكترونية؛ تأديبا لنقابة الصحفيين وجمعيتها العمومية التي تدافع عن الحريات العامة للمجتمع، وموقفها الثابت والداعم للجيش والشعب ضد الإرهاب.

هؤلاء يعتبرون موقف النقابة الداعم للحريات برفض بعض مواد قانون الإرهاب، التي تعمل على حبس الصحفيين ووقف الصحف والرقابة عليها، موقفا داعما للإرهاب.

ولو أعملوا عقولهم للحظات، لعلموا أن تلك المواد المدسوسة على القانون ما هي إلا أكبر داعم للإرهاب، خاصة أن مصر لم تقضِ على الإرهاب، الذي بدأ منذ أواخر السبعينيات باستخدام أقصى وأعنف القوانين، ومنها قانون الطوارئ، وكان خمود الموجات الإرهابية لم يتم إلا بمراجعات أدت إلى وجود نماذج مستنيرة، ومنها الدكتور ناجح إبراهيم، وهو من أكثر خبراء مطاردة الإرهاب حاليا ولكن بأسلوب علمي مستنير.

المواد التي اعترضت نقابة الصحفيين عليها، لا تمثل حربا ضد الإرهاب، ولكنها حرب ضد المجتمع بأكمله وضد حرياته، فكل صحفي أراد أن يصل إلى الحقيقة متسلح بميثاق الشرف الصحفي أو مواطن أراد أن يعبر عن رأيه بحرية، من الممكن أن يجد نفسه رهن المساءلة بموجب مواد مطاطة من قانون الإرهاب، وهي 26،27،29،33،37، وبالتالي لن يكون أمام الصحفيين إلا غلق أفواههم وطي أوراقهم وتجفيف أحبار أقلامهم.

هي مواد مطاطة تعتمد بشكل أساسي على التفتيش في النوايا؛ لتجعل من مهنة الصحافة قنبلة تنفجر في كل من يعمل بها، فهي تجعل من الاستثناء قاعدة، بجعلها الجميع متهمين حتى تثبت براءتهم وليس الصحفيين فقط.

وهنا يكون الصحفي قد وُضع في سلة واحدة مع الإرهاب، خاصة بنص المادة 33، التي تشير إلى نشر أي معلومات تخالف نص البيانات الرسمية للأجهزة الأمنية وكأنها قرآن يتلى.

ما يجعل قلوبنا تعتصر ألما، هو أن النظام المصري وكل مؤسسات الدولة وأجهزتها قد تناسوا أن الصحافة طوال عمرها، شريك أساسي مع الشعب والجيش والشرطة في حماية الأمن القومي داخليا وخارجيا، وهي التي تتصدى لمحاولات الترويج للشائعات الكاذبة والمغرضة التي تختلقها أجهزة الإعلام الخارجية التي تستهدف أمن مصر وأمانها، بالإضافة إلى تصديها لتجاوزات أي من القائمين على مؤسسات الدولة ومواجهة الفساد وكشفه.

علينا أن نتخيل مردود تلك المواد على الأمن القومي المصري، في حالة تمريرها داخل القانون أولا، يتم إبعاد الصحافة والإعلام الوطني عن متابعة الحقائق، بما ينعكس على مستقبلها لتنكمش وتترك الساحة لمثيلتها الأجنبية من صحافة وإعلام، ليتمدد ويملأ ذلك الفراغ بما يستهدف الأمن القومي المصري.

وحتى لو فرضت السلطة التنفيذية قانون الإرهاب على آلاف القنوات والصحف الأجنبية التي تدخل البيوت بكل ما يحدث وما لا يحدث على مدى الساعة، سوف يدفع الوطن الثمن؛ لأن الشعب لا بد أن يتابع، وإذا أغلقنا نوافذ الإعلام الحر سوف يلجأ لمليون نافذة إعلامية ويدير الجميع المؤشر إلى الفضائيات المفتوحة على مصراعيها، وسوف تجد القنوات المغرضة منها وخاصة الجزيرة مليون وسيلة للفت نظر المشاهدين إليها، إلا إذا قررت الدولة وضع حراسة على كل مواطن؛ لمنعه من متابعة الإعلام الخارجي، وعدم الانتظار لبيانات رسمية قد يتأخر إصدارها.

على واضعي المواد المدسوسة بالقانون، أن يعلموا أن أكبر عقوبة للصحفي والصحيفة هي نشر أي أخبار كاذبة ولو بطريق الخطأ؛ لأن ثمن ذلك هو فقدان المصداقية التي تمثل رأس ماله، وليس بمواد مشبوهة تخدم الإرهاب أكثر مما تحاربه.
الجريدة الرسمية