أيها الإعلاميون.. رفقًا

رأينا من يحاول جاهدًا أن يتحرى الصدق والدقة في المعلومة التي يريد أن تصل إلى القارئ أو المشاهد، ورأينا أيضًا من لا يبذل أي جهد ويكتفي بمعلومة غير موثقة أو شائعة سمعها أو قرأها فيرددها دون وعي أو تثبت، مثلما حدث يوم الأربعاء ١ يوليو، يوم أغار الإرهابيون على كمائن الجيش في شمال سيناء، وإذا بإخواننا الإعلاميين يتناقلون أرقاما عن الشهداء والجرحى من وسائل إعلام أجنبية، القصد منها إثارة البلبلة في صفوف الجماهير وزعزعة الثقة بالقوات المسلحة.

كان أولى بهم أن يتريثوا ويتمهلوا حتى تصدر القوات المسلحة الخبر الصحيح، فهي أدرى وأعلم الجميع بما حدث.. وقد صدر البيان في المساء، وأحاط الجماهير علمًا بتطور الأحداث في ذلك اليوم، وأن من استشهد من جنودنا وضباطنا ١٧، بينما الجرحى ١٣.

لقد وجدنا بعض الإعلاميين، والحمد لله أنهم قلة، يختلقون معلومات أو أحداثا أو وقائع على أنها سبق أو "خبطة صحفية"، وهم لا يدركون أن المجتمع الذي يعاني عدم استقرار سياسي، واقتصادي، واجتماعي، تجد الشائعات أو الأقاويل، التي لا أصل ولا سند لها، طريقها السهل إليه، وهذه يكون خطرها وتأثيرها السلبي عليه.

ويمثل الإعلاميون همزة الوصل بين سلطات الدولة (تنفيذية، وتشريعية، وقضائية) والمجتمع بكل مؤسساته (الأحزاب، والنقابات، والجمعيات).. وبقدر ما تكون هذه الهمزة صادقة ودقيقة ومعبرة بحق عما يصدر، قولا وفعلا، من هذه الجهة أو تلك، بقدر ما ينتشر الوعي الصحيح والسليم، وبقدر ما تنهض الدولة وتتقدم بشكل عام، والعكس.

صحيح أنه لا أحد يستطيع أن ينكر الدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه الإعلاميون في الكشف عن الثغرات، وتسليط الضوء على كل أشكال وألوان الفساد في مصر، سواء على مستوى الجهاز التنفيذي للدولة أو على المستوى المجتمعي العام.. ويسدي الإعلاميون خدمات جليلة لكل المسئولين في الدولة، وذلك بإرشادهم إلى أوجه القصور التي تعانيها الوزارات والهيئات، على مختلف أنواعها.. غير أن بعض المسئولين لا يتجاوبون بالشكل المطلوب مع الإعلاميين، ويتصورون أنهم أدوات لفضح العورات وكشف السوءات، ومن ثم يتعاملون معهم بقسوة وغلظة وعنف.

بالطبع هناك إعلاميون مستفزون، وآخرون يهتمون بالسلبيات، بل يركزون عليها، وفي نفس الوقت يغضون الطرف عن الإيجابيات.

ومن الأخطاء القاتلة التي يقع فيها بعض الإعلاميين عدم مراعاة الخصوصية الثقافية للمجتمع المصري، خاصة فيما يتصل بعقيدته وشريعته (من أخلاق وعبادات ومعاملات).. مثل هذه القضايا أصبح يخوض فيها كما يقال، كل "من هب ودب"، طالما أتيح له منبر إعلامي يتكلم منه، وكأن الإسلام أصبح كلاما مباحا.. وليس معنى هذا أن هناك محتكرين للتحدث عن الإسلام، لكن هناك قضايا لا يجب أن تطرح على العامة، لكنها تخص قاعات البحث والدرس، وهناك قضايا أخرى يجب ألا يتناولها إلا المتخصصون، الذين أطلق عليهم القرآن "أهل الذكر"، أي أهل العلم والفقه.

إن الإعلامي هو أولا وقبل كل شيء مواطن، يتساوى في الحقوق والواجبات أمام القانون، شأن أي مواطن آخر.. لكني أجد نفسي واقفا بصلابة في صف الإعلامي فيما يتعلق بالحبس في قضايا النشر، خاصة إذا كانت بعيدة عن السب والقذف والتعريض بحياة الناس.