رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

ولاية المخابيل!


لا أعرف يقينًا إذا ما كان التاريخ يحمل ضمن أخباره الحقيقية أو رواياته الخيالية اسمًا مثل هذا أم لا، فقط وجدَّته يتواجد في ذهني أثناء مُتابعتي للمعارك التي جَرَت مُنذ صباح الأمس على أرض سيناء، وما صاحبها من بيانات وتصريحات خارجة من أفواه فئران تختبئ في شقوق الجبال أو خلف شاشات الحواسب الآلية، مدعومة بإعلام متآمر كإعلام الجزيرة وشبكة رصد، لتُهاجم الجيش المصري، وتؤكد أنه تلقى هزيمة حقيقية في معركته ضد الإرهاب!


والحقيقة أن ما يُطلَق عليه اسم (ولاية سيناء) هو أمر يؤكد مدى الخبال الذي وصل له الإخوان ومؤيدوهم والمُتعاطفون معهم، خاصةً أنه لا يُمكن نظريًا ولا عمليًا ولا سياسيًا ولا جغرافيًا ولا حتى بالخيال العلمي اقتطاع جزء من أرض الوطن لصالح مجموعة إرهابية تسمي نفسها بأي اسم، فمهما كانت قُدرات هذه المجموعة المخبولة، فإنها لن تزيد أبدًا عن قدرات إسرائيل التي استولت على سيناء بالكامل، لا على مُجرَّد عدَّة مساحات ضئيلة منها، قبل أن تتلقى نفس العلقة في رمضان أيضًا، وتخرُج لتجُر أذيال خيبتها، وأصبح لزامًا علينا أن نقوم بتلقين نفس الجماعات ذات العلقة وفي رمضان بعد أكثر من 40 عامًا، كمُلحَق حَق علينا أن نخوضه، فبعد أن تطهَّرنا من دَنَس الصهاينة، علينا الآن أن نتطهَر من دنس لا يقل عنه انحطاطًا وسوءًا، وهو دَنَس الجماعات التكفيرية والإرهابية والإخوانية!

إذن خُلاصة ما سَبَق أنه لا يُمكن أن يستمر الإرهابيون على تلك الحال من التواجُد في المشهد، وعلى الرغم من الخسائر الفادحة التي يُصاب بها الجيش المصري في مُستنقع سيناء، إلا أن الرهان الخيالي الذي يُصيب بعض التافهين بأنه من المُمكن أن تتسبب تلك الخسائر في يأس أو استسلام أو حالة من التمُرد أو الانشقاق بين صفوف القوات المُسلحة المصرية، هو مُجرَّد كلام فارغ، فالجُندي المصري الذي هو خير أجناد الأرض، لا يُمكنه إلا أن يزداد حماسًا وغضبًا للدفاع عن أرضه وعرضه، والقصاص لزملائه من الشهداء، لا الفرار من المعركة أمام جرذان حقيرة، وهو يعلم جيدًا أن قتله يعني تحوُّله إلى شهيد حقيقي، لا شهيد كدة وكدة من إياهم إللي اتقرفنا بسيرتهم عمَّال على بطَّال من فترة، وأن المُرتَزَق الأجرب الذي يواجهه سيكون مصيره نار جهنم لمَّا يروح في داهية.

وأقول إن خسائرنا في سيناء فادحة لسبب بسيط، هو أن جرح إصبع واحد لجُندي أو ضابط مصري، لهو بالفعل خسارة فادحة، خاصةً إذا ما كان المُقابل لها عشرات الأرواح لإرهابيين التلاتة منهم بتعريفة، لا يُقاتلون لا في سبيل الله، ولا في سبيل قضية مُعينة، ولا حتى في سبيل وطن، فليس لهم أوطان، ولم يتبعوا أوامر الله ونواهيه، وقضيتهم الوحيدة هي إراقة الدماء فحسب!

يعني المسألة محسومة قريبًا أو بعد حين بإذن الله، والمطلوب فقط هو تحقيق أقصى خسائر مُمكنة للجيش المصري هُناك، أما النصر فهو - بإذن الله - مضمون لنا.

وهذا الأمر يتشابه مع كُل ما قام به الإخوان من يوم ثورة يناير وحتى تم خلعهم وتنضيف البلد منهم في ثورة يونيو، شوية دوشة، مظاهرات وتخريب واعتصامات إجرامية، وتفجيرات هنا وهناك، واغتيالات لضُباط أو لجنود أو للنائب العام، وفي الآخر النهاية معروفة، لن تفنى الدولة، والشعب مش هيخلص، لكن الجماعة الإرهابية ومَن يتضامن معها من مرتزقة أو ثوريين لا يعنيهم وطنًا ولا شعبًا، لكن كُل ما يعنيهم هو السبوبة، كُل هؤلاء إلى الزوال، موت أو سجن أو هروب في الخارج، وهو ليس كلامًا نظريًا، فأرجوك تشاور لي على وجه قبيح لأحدهم يقدر ينزل يمشي في الشارع، من غير الناس ما تأكله بأسنانها!

وكُنت قد تابعت بعضًا من التغطيات الإخبارية لجنازة الشهيد النائب العام، وشوفت الشاب الذي تعرَّض للضرب بالجزم بعد أن رفع علامة الخرفان في وجوه الناس، وقام بسب رئيس الجمهورية، ووسط كُل ذلك الشحن والحُزن الذي يُعاني منه الجميع، ما كان منهم إلا أن انهالوا عليه ضربًا بالجزم، وقال لي أحد الأصدقاء وقتها إن الشخص ده إخواني، بدليل استعماله لعلامتهم، لكني نفيت ذلك جُملةً وتفصيلًا!

هذا المضروب بالجزمة ليس إخوانيًا، لكنه أحد الثوريين الأغبياء، وهل هُناك ثوريون أذكياء؟.. أكيد طبعًا، لكن خلينا في الغبي، لو كان إخوانيًا لما تجرَّأ أن يفعل ما فعله، فسيكولوجية الإخوان تُلزمهم بأنهم يلبدوا في الذُرة لما يكون الموج عاليا، وماينفعش واحد منهم لوحده يعمل كدة، هُم لا يتحركون إلا في قطعان، ولا يعلنون عن أنفسهم بصراحةً ووضوح إلا في أوقات يضمنوا لنفسهم فيها الحماية، طيب هل هذا الشخص شجاع بدليل ما فعله؟.. طبعًا لأ، هو غبي؛ إذ قرر مواجهة أناسٍ مكلومين غاضبين مما يُرتَكَب في حق بلادهم، فنال جزاءه ضربًا بالأحذية، قبل أن يتم رفعه للبوكس، علشان يتحاكم بتُهمة الغباء الثوري أيضًا!

أما الثوريون الأذكياء يا عزيزي، فهُم مَن يجلسون في بيوتهم ويدفعون بالآخرين من أمثال المضروب بالأحذية علشان ياخُد بالقديمة وهو فاكر نفسه كدة بطل، بينما تستمر اتصالاتهم بالخارج أو بالداخل على حدٍ سواء، تنسيقا وترتيبا وتخطيطا، وتحويل أرصدة، مش أرصدة من بتاعت الغلابة أم 5 جنيهات فودافون و10 جنيهات موبينيل، لأ، دي أرصدة بنكية لشراء الشقق والسيارات، أومال هُما ماسكين في الثورة بأيديهم وأسنانهم ليه؟!

وهكذا يتم وضع الغطاء المُناسب للإرهاب بداعي الثورة، وهكذا يتعرَّض جيشنا ورجاله لهجمات يظُن المُشاركون فيها، أو المُخططون لها، أو مؤيدوها، أنها ستكون ذات تأثير قادر على تغيير الحال في البلاد، وفي ذلك قمة الغباء السياسي والعسكري والاجتماعي أيضًا؛ إذ أن الشعب يلتف أكثر وأكثر حول جيشه، وحول قيادته السياسية، في أوقات المحن والحروب والخطر (حتى في ظل وجود اختلافات أو مؤاخذات سلبية تجاههم)، فيُعجل ذلك بالقضاء على جرذان الإخوان والتيارات الإسلامية والثورية المُنحرفة وإللي عايزة الحرق بجاز!

يعني باختصار حكاية استمرار الإرهاب في سيناء، لحين التراجُع عن ثورة يونيو (أو ما سماه النطع البلتاجي بالانقلاب، وهو يُهددنا سابقًا بما يجرى الآن) كُل ذلك مُجرَّد وقت، والجيش مش هايخلَص، ولا أسلحته هاتنفد، لكن الجرذان بتنتهي لحد ما تخلَص، والطرطور الكبير صاحب إشارة الذبح من داخل قفص الاتهام، بكُرة يدلدلوه من على حبل المشنقة، زي ما دلدلوه من على كُرسي الرئاسة قبل عامين، ومعاه بقية العصابة، علشان يتحوَّل اسم الجماعة من الإخوان الإرهابيين، إلى الإخوان المدلدلين!
Advertisements
الجريدة الرسمية