رئيس التحرير
عصام كامل

من قصص المكسورين بحق



سأحكى لكم اليوم قصة قصيرة جدا وواقعية حدث بالفعل منذ زمن ليس بالبعيد ويحدث يوميا في مصر قصص كثيرة مشابهة لها، فالواقع لم يتغير كثيرا من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية أو كلاهما...، فقط أصبح لدينا رفاهية في قنوات العته الفضائى وأصبحت عندنا وفرة في العبث والصراخ والعويل ممزوجة بترخص مكشوف للجميع حتى وإن غلفه البعض بتمسح في الوطن والنظام.


فمنذ ما يقرب من 25 عاما تقريبا، تصادف مجىء رمضان في الصيف مثل هذا العام وكان الحى الشعبى الذي كنت أسكنه في دمنهور ( أبوالريش ) يسهر للصباح بعد الفجر وسط جو رائع وإحساس بالونس والتقارب مع من هم مثلك في كل شىء حتى ولو كانوا غير مسلمين، وكان الشباب يلعب الكرة في الشوارع والحوارى والأزقة لطلوع النهار وفى الأيام التي كنت لا أعمل فيها في العطلة الصيفية كنت أسهر مع الصبية نلعب الكرة للصباح، حتى حدث يومًا أن وقفنا جميعا احتراما وتبجيلا لصوتها الأجش المفعم بكل درجات الشجن والأنين والشقاء والقوة والصبر والشرف وهى تنادى نداءها الشهير ( وجعت رأسى يا فجل ! )

كانت تلك السيدة المحترمة الشقيانة الكبيرة في السن تأتى طلعة كل صباح لدمنهور من إحدى القرى المجاورة لها حاملة المئات من ( حزم ) الفجل فوق رأسها حتى تبيعها في الصباح وتكسب قروشا قليلة تربى بها أبناءها الفقراء وزوجها المقعد بفعل المرض، ثم ما تلبث أن تعود لتعمل أجيرة في حقل في قريتها ثم تنتهى منه قبيل المغرب وتسرع لتجهز ما تيسر لها ولهم من طعام... صائمة مكافحة مسارعة للزمن ومصارعة له أيضا.

كل هذا يمكن أن يكون عاديا ولكن تخيل يوم وفاة زوجها المريض، تبدل النداء تلقائيا إلى (يا كسرة ضهرى بموتك يا أبو العيال).. هكذا تكون كسرة الظهر وفقدان السند لامرأة بملايين الرجال كانت هي في الواقع السند للزوج المريض المسكين الذي يوجد ملايين مثله ومثلها ومثل عائلتها في بر مصر المتناقضة والمفترية على الضعفاء والمساندة والمنافقة للأقوياء والأثرياء وذوى النفوذ.

ما دفعنى للكتابة عن تلك السيدة المحترمة. رحمها الله رحمة واسعة هي وكل المساكين والفقراء والمظاليم في مصر والعالم هو حديث السيدة الفاضلة المستشارة ابنة الراحل المرحوم النائب العام الذي اغتالته يد إرهابية قذرة أول أمس، فمع كل ما تتمتع به تلك السيدة من منصب مرموق ودخل مرتفع ومكانه اجتماعية تجدها تنعى والدها بجملة مؤثرة مثل (كسروا ضهرى يا بطل ).

أعتقد أن دوري هو الكتابة عن المكسورين بحق في مصر، أغنياء أو فقراء، لكن تدبر حال الفقراء الذين لا سند لهم ولا عائل ولا ظهر لهم غير الكفاح في الحياة للبقاء على ظهرها أو لإبقاء غيرهم على ظهرها واجب وفرض عين علينا جميعا... هؤلاء من أسخر قلمى للكتابة عنهم وعن حقوقهم وعن مآسيهم مهما خرج لنا من يهددنا بقصف القلم وانتهاء زمن الحرية التي ذهبت لخالتى كما صرح المذيع الذي كان متهما ومهددا بالسجن منذ أيام قليلة وتشبث هو ومن دافع عنه بالحرية التي لم تعرف خالته أو خالتنا وقتها !

يجب أن تهدأ الأمور وتفكر الدولة بعمق وتانى في الأوضاع التي نواجهها وأن يستمع رجال الدولة لصوت العقلاء وليس لصوت حاملى الدف والطبلة الذين يقتاتون على الفوضى والصراخ والعويل والمزايدة على مصر الوطن والدولة، أين مفكرو مصر ومثقفوها وكتابها ومبدعوها وفنانوها الصادقون من أزمة الإرهاب الذي كسر ظهورنا جميعا وليس فقط ظهر كريمة النائب العام...كثير من الهدوء والتفكر وسرعة في العدالة الاجتماعية للمكسورين بحق والضائعين تحت أقدام رأسمالية السادات – مبارك التي قسمت مصر بل فتتها اجتماعيا ونفسيا، مزيد من العدل هو مفتاح النجاة لنا جميعا... حفظ الله مصر ورحم كل برىء سقط غيلة أو بغير حق.
fotuheng@gmail.com

الجريدة الرسمية