رئيس التحرير
عصام كامل

نجيد أو لا نجيد


بعض الظواهر الثقافية كظواهر الكون، تستحق الاكتشاف.. القيام بالفعل هدفه معرفة كيف تبنى المعجزات الأدبية.. من قبيل كيف تبيع الكاتبة البريطانية أى إل جيمس، أكثر من مليون نسخة لروايتها "جراي" في أربعة أيام.


البحث في الظاهرة سيقدم إجابات.. من شأنها تفكيك مكونات هذا الإعجاز، ومعرفة أدوات الإنتاج التي استعملتها الروائية في نسج قماش الرواية، التي تنتمي إلى الأدب الأيروتيكي، ومن شأن التمحيص في الأدوات والفكرة والجمهور المستهدف، أن يستولد للكتاب العرب أنموذجا لتحقيق معجزاتهم الخاصة في التوزيع والشهرة وكسب المال.

بحق أقول.. وبعيدا عن خفة العقل وطيشه في رمضان، لماذا لم تحقق المنطقة العربية أي معجزة، تتساوي وكونها أرض النبوات والديانات والمعجزات؟

لماذا لم نكتسب، طوال عمر الكتاب المديد من التعاطي مع الفعل الإبداعي من الوصول إلى أرقام مبيعات مليونية؟.. ولا يفوتني أن أنصح جميع من يريد الاجتهاد في تحليل ظاهرة جراي، ألا يقف عند حدود أن المضمون إباحي، وهو ما يجعل منه حاملا لتحقيق معجزات في التسويق.

فالإباحية معروضة على الرصيف.. لا تلقى شاريا لها، كما أن الكثير من الروايات ذات المضمون المشابه، لم تلق شيئا من الشهرة يذكر.

القضية، التي أحث على فهمها، تتعدى المضمون، إلى الأسلوب، وتقنيات الكتابة الروائية. 

ثمة صنعة كتاب في الغرب، لا يعلم معظمنا الكثير عنها.. صنعة تغذيها وترفعها مراكز الدراسات ومسوحات الرأي العام، والدراسات السيكولوجية والسوسيولوجية.

الكاتب الغربي المعاصر يهتم بهذه المفردات، فهي بالنسبة إليه المنصة التي تمكنه من الوقوف أمام الجمهور، وهو يعلم كل التفاصيل التي من شأنها إنجاح الخطاب المزدوج بينهما.

علمونا في الإعلام أن نفكر قبل أن نكتب: ماذا تكتب؟.. لمن تكتب؟.. كيف ستكتب؟.. هي وصفة بسيطة، لكن الكثير ممن يعتبرون أنفسهم/ن أربابا/ت للصنعة لا يعرفون الكثير عن فسيفساء النفس البشرية، كما يجهلون السمات المتنوعة لجماهيرهم.. كم تلمظت وأنا أتابع أرقام مبيعات الكاتبة وكيف تمت ترجمة إصدارات سابقة لها إلى 52 لغة مع رقم مبيعات وصل إلى 125 مليون نسخة.. أتأمل من المحيط إلى الخليج.. أتأمل خارطة الأسماء، الجادة والنوعية وماهرة التنفيذ، وكيف أنها تفتقر إلى أدوات الانتشار.. بعد التأمل أتذكر مقولة أستاذي في الجامعة: لا تقولي إن العرب أمة لا تقرأ.. قولي إن العرب لا يجيدون تقديم الخطاب.
الجريدة الرسمية