رئيس التحرير
عصام كامل

مصر التي كانت مخطوفة



بالحسابات البراجماتية والضرورات الوطنية لا مجال للحديث عن الديمقراطية في دولة على مشارف فوضى وحرب أهلية وفتنة طائفية، دولة عقدت فيها السلطة القائمة تحالفا شيطانيا مع الإرهابيين ومنحتهم صكوكا شرعية لاستئناف أعمالهم الإجرامية، دولة تأكد فيها الجميع أن أصحاب السلطة مستعدون لبيع الأرض والتفريط فيها.


هكذا كانت مصر قبل عامين، لم يكن هناك مجال للتشدق بأن هناك رئيسا منتخبا من الشعب ويجب أن يكمل مدته، فقد كان الكيل فاض، ووصل الغضب إلى منتهاه، وكان التدخل حتميا، فالشعب الذي منح هذا الرئيس صوته هو نفس الشعب الذي خرج ليصحح خطأه وينزع عنه هذه الصفة، بعد أن ثبت له باليقين أن مصر تحولت إلى طائرة يريد فصيل واحد اختطافها إلى جهة غير معلومة، بل يعتزم أن يهوى بها في مستنقع الإرهاب والدم والخيانة.

كانت مصر بعد أقل من عام على حكم الجماعة تستغيث وتطلب طوق النجاة، كانت تحتاج إلى منقذ، إلى ديكتاتور فارس شجاع ينتشلها من مستنقع الفشل والإرهاب والخيانة والانتقام، من مخطط التقسيم والحرب الأهلية، من أشلاء دولة متهالكة، إلى دولة متماسكة تقف على قدميها.

لقد أعادت ثورة 30 يونيو "مصر المخطوفة" إلى أرض الوطن، لم يكن هناك وقت للعبث أو التهاون أو الانتظار، فالورم السرطانى كان قد استفحل وأصبحت المشاكل مستعصية على الحل، وتفتت مصر بين أقلية لا تمثل 10% وأغلبية ساحقة تمثل الـ 90%، وصار شبح الحرب الأهلية يخيم على الدولة لتصبح على غرار العراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرهم.

قبل عامين كانت مصر قاب قوسين أو أدنى من الفوضى العارمة، وجاء المنقذ من المؤسسة العسكرية الوطنية التي لم تعرف الخيانة ولا الغدر يوما، ووضع روحه على كفيه ليقدمها فداء لشعبه ووطنه، وتوكل على الله وفعلها ليطيح بالفصيل الذي جاء إلى الحكم في غفلة من الزمن، وفى مرحلة الفوران الثورى الانتقالية، ليؤكد أن مصر أكبر من أن يحكمها فصيل خائن إرهابى غير وطنى ويعلن بدء مرحلة انتقالية يشرف عليها بنفسه، لكن لم يكن الشعب يقبل بحاكم غيره، فاستجاب لندائه، وها هو يجتهد بقدر استطاعته ليجعل مصر "أد الدنيا".

لقد غيرت 30 يونيو قناعات الكثيرين من النخبة والمثقفين الذين كانوا قد كفروا بالحكم العسكري وحلموا بالحكم الليبرالى، غير أن السيناريوهات السوداء المؤلمة التي رأوها تحلق في سماء بلادهم وتلوح في الأفق جراء حكم الإخوان، جعلهم يغيرون فكرهم وقناعاتهم، لأن الحاكم المنقذ القادم من مؤسسة عسكرية، صار بالنسبة لهم "خيار الضرورة"، حتى لو تراجعت الديمقراطية والحريات خطوتين إلى الخلف، وأعلنوها صراحة "أهلا بما يسميه أعداء الوطن بـ "الانقلاب" إذا كان سينقذ مصر من الانهيار والتفتت والإرهاب".

غير أن أسوأ ما فى 30 يونيو أنها - وبكل آسف - أخرجت رموز نظام المخلوع من جحورهم ومنحتهم صكوك الظهور إلى سطح الأرض، وأبغض ما فيها أنها - وبدون عمد أو سبق إصرار – جعلت جموع المصريين والمنتمين لنظام مبارك "إيد واحدة".

وللأسف قامت 25 يناير ضد فساد نظام مبارك، ومازال الفساد مستمرا، وقامت 30 يونيو ضد خيانة وإرهاب الإخوان، ومازال الإرهاب الأسود مستمرا ليكون النائب العام آخر ضحاياه، وهناك من يسعون إلى تفخيخ ثورة يونيو، فيطلقون تصريحات معادية لثورة يناير تؤثر بالسلب على الصورة الذهنية لثورة يونيو، غير أن الخلاف الوحيد قائم بين المتضررين من الثورتين على أرضية مصالح شخصية وليس على أرضية مصالح الوطن.

ولكن ماذا لو لم يفعلها المنقذ قبل عامين؟، أتصور أن مصر كانت ستدخل في حرب أهلية وصراع طائفى لا ينتهى بين جماعة تمسك بتلابيب سلطة جاءت إليها في غفلة من الزمن، وبين شعب يطلب الحرية ويرفض الإرهاب والخيانة والفشل.
الجريدة الرسمية