رئيس التحرير
عصام كامل

الشباب بين «البطالة» و«التمكين»!


لي صديق منذ قيام ثورة يناير، وحتى الآن لا يسألني سوى سؤال واحد فقط، هو: «أنا حتعين إمتى؟»، وهو ليس سؤاله وحده، بل سؤال ملايين من الشباب، وعلينا أن نلاحظ أن كلمة شباب في مصر لها مفهوم خاص، فهي تمتد من سن العشرين إلى الخامسة والأربعين!

ففي مصر أشخاص كادوا يصلون لسن الخمسين وإلى الآن ليس لديهم مصدر دخل، ولا هم قادرون على فتح بيت وتكوين أسرة، ولا يعيشون حياة الاستقرار، وهم يعتبرون أنفسهم «شبابا»؛ لأنه غير منطقي أن يعترفوا بأنهم صاروا «كهولًا» ولم يجدوا بعد طريقهم للقمة عيش حقيقية.

في المقابل، شباب القوى السياسية والأحزاب ونشطاء الفيس وتويتر يناضلون من أجل «تمكين الشباب»، وهم يقصدون بهذا المصطلح تحديدًا توليهم هم – هم دون غيرهم – المناصب القيادية، من وكيل وزارة إلى محافظ انتهاء بوزراء وسفراء، وهو حلم مشروع لا شك، لكن الكثير منهم يتناسى أهمية الكفاءة، وضرورة أن تكون هناك آلية لهذا التمكين تضمن ترسيخ العمل الشبابي في مصر، وألا نعالج مشكلة الفجوة بين الصف الأول وصفوف الشباب بحظوة لهذا الناشط، وترضية لهذا المعارض، وهبة لهذا المؤيد.

ورغم أن هذه الحظوة والترضية والهبة، هي أسباب ما يدَّعون أنهم يناضلون ضده، لكنهم رغم ذلك يبحثون عنها لأنفسهم، باعتبار أن ذلك من حقهم بما أنهم «مناضلون»، صوتهم عالٍ عن باقي الناس، والإعلام يوجه اهتمامه لهم دون غيرهم.

يتجاوز عدد الشباب الطبيعي – أقصد من هم في سن الثمانية عشر إلى الخامسة والثلاثين – العشرين مليون مواطن مصري، وهو رقم ضخم جدًا، أغلبهم تحت دائرة البطالة، وأغلبهم يعاني من ضعف التأهيل في ظل نظام تعليمي يُكرَّس للجهل وضعف القدرات، وفي كل يوم تزداد حالة هؤلاء الـ20 مليون مواطن مصري سوءًا، وامتعاضًا عندما يشاهدون من هم في سن الـ36 إلى الـ45، والعمر يمضي بهم دون أن يجدوا لأنفسهم فرصة عمل حقيقية، فينتابهم التوتر، والحنق، ويزدادون نفورًا من القيم والأخلاق – إلا من رحم ربي – فيزداد التحرش والعلاقات غير المشروعة في ظل انعدام أمل تكوين أسرة، فضلًا عن الهروب إلى المخدرات، والسرقة والغش التجاري، ويصل الحال ببعضهم أن يقع فريسة للأفكار المتطرفة.

في الوقت نفسه، من حالفه الحظ ونجا من طابور البطالة ليلتحق بوظيفة في مؤسسة حكومية، أو حتى خاصة، سيشاهد أن الكفاءة ومعايير اكتشافها، ومعايير تأهيلها ليست ذات أهمية في الحصول على الترقيات والأماكن الوظيفية القيادية، وإنما التوصيات، والتربيطات والمصالح المتبادلة، وهذا الواقع تحديدًا هو ما قامت عليه ثورة 25 يناير، وجاء تصحيح المسار في 30 يونيو عندما اعترض الشعب على تربيطات وتوصيات وهبات الإسلام السياسي لنفسه.

مصر بحاجة لحل عبقري يستوعب تعيين كل من هم ليس لهم مصدر دخل، ولا زالوا تحت سن الخامسة والأربعين ويعتبرون أنفسهم شبابًا!.. ويحلمون باليوم الذي يكون لهم فيه راتب شهري يصرفون منه على أنفسهم حتى يتزوجوا، مصر بحاجة لحملة اقتصادية ولتنظيم وتشريع اقتصادي يجبر القطاع الخاص على توفير الأمن والأمان للعاملين فيه، بما لا يجعلهم يشعرون بأنهم مهددون، مصر بحاجة للتغلب على التوصيات والتربيطات والمحسوبيات.

مصر بحاجة لترسيخ الشفافية والعدالة ومكافحة الفساد والمحسوبية والوساطة، فللأسف الشباب الحقيقي لمصر، والكفاءات الحقيقية القادرة فعلًا على تغيير مسار الواقع السيئ الذي نعيشه، أغلبهم بعيد عن دائرة اتخاذ القرار، وغير مسموع الصوت، ولا يرغب المسئولون في الإنصات لهم، ولا يرحب الإعلام بطرحهم الهادئ وأفكارهم العملية؛ لأنها غير براقة إعلاميا.
الجريدة الرسمية