رئيس التحرير
عصام كامل

مأساة الطفل الأول


من أروع اللحظات التي تعيشها الأسرة تلك التي تستقبل فيها مولودًا، وأسعدها على الإطلاق عندما تكون فرحتهم الأولى بالمولود الأول، فتفيض مشاعر الجميع بالسعادة ويغدقون في التعبير عن حبهم واهتمامهم به بإفراط، فيصبح المولود الأول محور حياة الأسرتين ويتبارون جميعًا في تدليله لدرجة قد تؤثر سلبًا على شخصيته وسلوكه فيما بعد.


الطفل، بغض النظر عن ترتيبه بين إخوته، الذي ينشأ دون منهج تربوي ثابت واضح الملامح محدد الأهداف والآليات، يتعرض لربكة فأكثر ما يصيب الطفل بالارتباك النفسي هو تعرضه للتربية العشوائية حين يفتقد المنهج الذي يرسم له القواعد التي تضبط تصرفاته، فيشعر الطفل بعدم الارتياح والطمأنينة لأنه لا يستطيع تقييم تصرفاته، ولا يمكنه توقع رد فعل أهله، وإن كانوا سيستقبلون تصرفه هذا باستحسان أم باستياء، فالتصرف الصادر من الطفل يستقبله من حوله كل بطريقته.

أما الطفل الأول فيعيش مأساة حقيقية، فالمسكين محل تجاربهم، فالكل هنا يعيش دوره تجاه المولود الجديد لأول مرة، الأم هي أم للمرة الأولى والأب كذلك، حتى الأجداد بالرغم من أنهم آباء وأمهات سابقون ولديهم الكثير من الخبرات في التربية، إلا أنهم يمارسون اليوم دورًا مختلفًا ونوعًا آخر من التربية، يمارسون دور الأجداد وعلاقتهم بأحفادهم لأول مرة.

إذًا فالنتيجة طفل مشوش عصبي عنيد سلوكه مضطرب بشكل عام، مما يؤدي إلى استياء وانزعاج هؤلاء الذين كانوا هم السبب، وقد ينقلب التدليل المفرط لشدة وتعنيف، وفي الغالب يسلك الأهل في هذه الحالة طريق رد الفعل - حسب حالتهم المزاجية وقتها - فإن أحسن الطفل أحسنوا وإن تصرف بطريقة تزعجهم، يتعرض الضحية لحزمة عشوائية أيضًا من العقوبة: ضرب، وصف سلبي، تهديد، تأنيب... فتكون النتيجة مزيدا من التخبط وضعف الشخصية فتسوء العلاقة بينه وبينهم.

لذلك أنصح كل أم وأب ينتظران مولودهما الأول بالاستعداد لهذا الحدث المهم، وألا تقتصر نظرتهما للاستعداد على أنها تجهيز غرفة الطفل وشراء مستلزماته فقط، بل لا بد من تعلم طرق التربية السليمة، وكيفية التعامل مع الطفل بدءا من اليوم الأول، وألا يتركوا التعامل مع الطفل للظروف لأنه أمرٌ شديد الضرر، إذًا عليهما وضع الخطة واختيار المنهج التربوي الذي يريانه جيدًا، وهناك العديد من الوسائل كحضور المحاضرات للمختصين بتربية الأطفال والقراءة في ذات الموضوع، ومتابعة البرامج المختصة.

وليعلم الآباء أن تربية أبنائهم هي مسئوليتهم الخاصة وحدهم، وحتى لو ساهم فيها الأجداد أو غيرهم في البداية ستبقى المسئولية عليهم وحدهم بعد ذلك، لذلك عليهم من البداية وبمنتهى الرفق واللين أن يوضحوا للجميع منهجهم في التربية، ويعرضوا بذكاء شديد مدى الضرر من التخبط في طرق التعامل حتى يسير الجميع على نفس المنهج، وقد يقول قائلًا: "لماذا كل هذا التعقيد إحنا اتربينا من غير كل الكلام ده" فأقول له إن الأمر ازداد تعقيدًا حقًا وزادت المؤثرات الخارجية التي تساهم في تشكيل شخصية الطفل كالتلفاز والإنترنت.

وعلى العكس حدث تراجع كبير في الأخلاق، الوعي العام، التعليم والمناهج، وتغيرت الثقافة العامة للمجتمع، وكلها كانت تساعد وتساهم بشكل إيجابي في بناء الطفل، وأتمنى ألا ينظر أحد للموضوع على أنه رفاهية ينادي بها من لا يعرفون معاناة الأهل والضغوط التي يتعرضون لها للحصول على لقمة العيش، من ناحية أطفالنا لا ذنب لهم من ناحية أخرى تعاملكم بطريقة تربوية مع أبنائكم لن يكلفكم شيئًا بل سيجنبكم مشكلات المستقبل وسيساعدكم على العيش في هناء وسعادة.
الجريدة الرسمية