رئيس التحرير
عصام كامل

افتحوا معبر رفح.. ولتذهب السياسة للجحيم!


"ماتت سيدة مُسنة وهي تنتظر طلقة الرحمة في الشمس الحارقة على بوابة معبر رفح.. ماتت وسحبت الكثير من رصيدكم لدينا!"..
هكذا حدثني صديق جزائري بكل أسى وحزن؛ تعليقًا على وفاة سيدة فلسطينية مُسنة تدعى يسرا النجار، وهي تنتظر العودة لمنزلها في غزة.. وسريعًا كان الخبر مدعومًا بصور للسيدة المتوفاة، يزأر في فضاء الوسائل التواصلية، نقلا عن الوكالات الإخبارية الفلسطينية وخاصة المحسوبة على حركة حماس.


حاولت الرد.. وتفنيد الحجج السياسية للصديق الجزائري.. بل سردت له الجزء الناقص في القصة نفسها، موضحًا له أن أجهزة الأمن المصرية سارعت بمحاولة إنقاذ السيدة ونقلها للمستشفى - حسبما أكدت العديد من الروايات المتواترة من شهود الواقعة - ولكن حُكم القدر كان له رأي آخر، فخرجت الروح لبارئها، وبالطبع لم تذكر وسائل الإعلام الإخوانية القصة كاملة وملابساتها.. واكتفت بنشرها "مبتورة" لحسابات سياسية يعلمها الجميع!

لم يشأ الصديق أن يُحول الحديث لسجالات سياسية ومبارزة كلامية لن نخرج منها إلا بالمزيد من الخلاف.. فاكتفى ببضع كلمات لا تزال ترن صداها على أذنيّ قائلا: افتحوا المعبر.. ولتذهب السياسة للجحيم!

أغلقت الحديث معه وأنا في قمة الحزن على السيدة التي فارقت الحياة ولها عند المصريين "مَظلمة".. وحزني الأكبر لعجزي عن الاقتناع والتسليم بالأسباب السياسية التي تقود شعبنا الفلسطيني للمهانة على المعبر المصري؛ انتظارًا لوفاق داخلي على السلطة.. يبدو أنه لن يحدث مستقبلا بين فتح وحماس!

الخطورة في الأمر، أن الغالبية العظمى من أبناء الشعب العربي والإسلامي لا يعلمون حقيقة الإشكاليات والتعقيدات التي تتعلق بهذه القضية.. وما يترتب خلفها من مؤامرات دولية وإقليمية للزج بمصر في أتون الصراع، كما كانت العادة دائمًا.

الكيان الصهيوني من جهة.. وحماس وحساباتها الإقليمية من جهة أخرى، ورغبتها في اعتراف شرعي بسلطتها على غزة من مصر إذا ما وافقت على السماح لها بإدارة المعبر ممثلة للجانب الفلسطيني.. وهو ما يُعد تسليمًا بالأمر الواقع، وتدمير أي محاولات جادة لإنهاء ملف الشقاق الذي تقوده القاهرة للصلح بين طرفي الصراع على السلطة في الأرض المحتلة.. بل ضرب إسفين قاتل بين سلطة محمود عباس والإدارة المصرية الحالية.. وهو ما ترغب فيه بشدة بعض القوى العربية والإقليمية؛ حتى يخرج ملف القضية الفلسطينية نهائيًا من القاهرة إلى غير عودة و"برغبة الجميع"!

أكثر ما يدهشني هو اتباع الإدارة المصرية سياسة الصمت القاتل تجاه ما يحاك من مؤامرات سياسية وإعلامية تستهدف عزل الشعب المصري عن قضايا أمته، والمحاولات المستميتة لرسم صورة ذهنية بغيضة تترسخ للأسف يومًا بعد الآخر من جراء القصف الإعلامي المتواصل لمحو موقف مصر التاريخي من قضية كانت دومًا همها الأول.. ودفعت من استقراها وحياة أبنائها ثمنًا لها على مر التاريخ.. وهو أمر لو تعلمون أخطر بكثير من السياسة وحساباتها مهما كانت درجة خطورتها.. وحقيقة ما يدور خلفها!

عمليًا.. لم تكسب مصر سياسيًا من غلق المعبر.. فلا حماس تراجعت ولن تتراجع.. ولا عباس تنازل.. بل تتزايد الاتهامات بين الطرفين، وبالطبع ما يجرى في الغرف المغلقة لن يعرفه الرأي العام العربي والإسلامي.. ولن يدرك إلا ما تفهمه جوارحه من مآسٍ.. وما تصدره له الشاشات من تدهور للأوضاع الإنسانية على بوابة رفح المصرية!

لا ينكر أحد أن القضية معقدة سياسيًا، خاصة في ظل حالة القطيعة شبه الكاملة والحساسية التي تسيطر على علاقات حماس بالرئيس السيسي.. وآلة القصف الإعلامي التابعة للحركة التي لا تترك شاردة أو واردة إلا وجعلتها منصة للقذف.. وهو ما يجعلها تدّس أنفها بالداخل المصري؛ تضامنًا مع وسائل إعلام تتبارى معها في نفس الهدف والغاية.

ولكن.. لو كان الأمر بالحسابات السياسية وحدها ما كنا دفعنا ما دفعناه عن طيب خاطر على مر العصور؛ ثمنًا للدفاع عن القضية وأهلها.. والحفاظ على الصورة الذهنية للشعب المصري التي تنتهك الآن على نطاق واسع، أهم بكثير من سياسة إخضاع حماس وفتح لمصالحة ووفاق، بات لكل ذي عينين أنه من مستحيلات الواقع. 

الصمت لم يعد حلا في عصر السوشيال ميديا والسماوات المفتوحة.. افتحوا المعبر.. ولتذهب السياسة للجحيم!
الجريدة الرسمية