رئيس التحرير
عصام كامل

بعد عام مضى..على ماذا يراهن السيسي ؟!


شارف العام الأول لولاية الرئيس عبد الفتاح السيسي على الانتهاء، وأصبح السؤال الأكثر شيوعا وانتشارا بين جموع المصريين هو على ماذا يراهن الرئيس السيسي؟! خاصة وأن الرجل تم انتخابه في ظروف غير عادية، ولم يكن ترشحه بمبادرة منه شخصيا، بل كان الترشيح بعد مطالبات وإلحاحات شعبية لا يمكن إنكارها وتجاهلها، ولم تكن المطالبات فقط من الجماهير الشعبية التي أبهرها قائد الجيش في تصديه لجماعة الإخوان المسلمين، وكلماته العاطفية التي أطلقها ليعلن انحيازه الكامل لهذه الجماهير الشعبية الفقيرة، التي عانت على مدى أربعة عقود من التهميش والإهمال من قبل أنظمة حكم أعلنت انحيازها لمجموعة من العائلات الملتفة حول رأس السلطة، لكن التأييد والمطالبة والإلحاح والدعم كان أيضا من النخبة بكل أطيافها.


ففى الوقت الذي فقد فيه جموع المصريين ثقتهم بالقوى والأحزاب السياسية وعدم مقدرتها على إعادة الأمن والاستقرار وتحقيق مطالب الثورة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، كان الجيش هو المؤسسة الوحيدة التي تلقى قبولا اجتماعيا وشعبيا وجماهيريا ونخبويا أيضا، لذلك جاءت المطالبات وبإلحاح شديد على قائد الجيش للتقدم للترشيح لموقع رئيس الجمهورية أملا في التخلص من كل الميراث القديم عصابة مبارك التي سرقت ونهبت مصر وشعبها ومازالت معششة في كل أركان الدولة، وعصابة الإخوان الإرهابية التي روعت المصريين ومازالت.

وترشح الرجل وفاز دون منافسة، وشعر الجميع بأن الحلم قد أصبح قاب قوسين أو أدنى، ووقف الجميع ينتظر تحركات الرجل لتحقيق مطالبهم العادلة والمشروعة والتي دفعوا فيها ثمنًا غاليًا ضريبة دم فادحة من زهرة شباب الوطن سواء قبل 25 يناير وأثناءها وبعدها، أو 30 يونيو وما بعدها، وكان الإجماع حول الرجل وقدرته كبيرا جدا خاصة لدى الفقراء والكادحين والمهمشين القوة الضاربة في هذا الوطن، والذي أدركها الرجل بذكاء شديد فقام بدغدغة مشاعرهم بكلماته الرقيقة فاعتبرهم نور عينيه، ووقفوا بجواره مساندين حين طلب منهم تدعيم مشروع قناة السويس الجديدة فأخرجوا كل مدخراتهم ثقة في الرجل، وتحملوا ارتفاع الأسعار بصمود وجلد أملًا في تحقيق مطالبهم المشروعة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.

ومرت الأيام وبدأ الحلم يتبدد رويدا رويدا حتى شارف العام الأول على الانتهاء وبدأ البعض يتساءل هل الرئيس لديه مشروع اجتماعي واقتصادي وسياسي وثقافي منحاز للغالبية العظمى من الفقراء والكادحين من شعب مصر أم لا ؟! وسواء كانت الإجابة بنعم أم لا فلابد من معرفة على ماذا يراهن الرئيس السيسي ؟!.

وبنظرة موضوعية على العام المنصرم من ولاية الرئيس السيسي يمكننا رصد بعض الإيجابيات وأيضا الكثير من السلبيات التي نأمل أن يتجاوزها حتى تتحقق لجموع المصريين من الفقراء والكادحين مطالبهم في العيش الكريم داخل وطنهم. وفى إطار رصد الإيجابيات يمكننا التركيز على عنصرين هامين أولهما داخلى والثانى خارجى، حيث تمكن الرجل من استعادة هيبة الدولة – مع التحفظ على بعض الممارسات – ومكافحة الإرهاب وإعادة الأمن والاستقرار للشارع المصرى الذي شهد فوضى عارمة منذ 25 يناير وحتى توليه المسئولية.

وعلى مستوى العلاقات الخارجية تمكن الرجل من إعادة ترميم علاقتنا الدولية حيث صال وجال شرقا وغربا وأعاد لمصر دورها المتوازن بين القوى الدولية فلم تعد العلاقة مع أمريكا علاقة تبعية مطلقة في ظل ظهور الدب الروسى ومد جسور التعاون معه من جديد. لكن يظل الموقف على المستوى العربي لا يرقى لدور مصر الريادى خاصة بعد مشاركة مصر في ما أطلق عليه عاصفة الحزم مع تحالف تتزعمه السعودية وتأتى مصر في شكل التابع، وبالطبع لم تتمكن مصر من إعادة علاقتها مع سورية التي قطعها محمد مرسي وهذه أيضا علامة استفهام، خاصة وأن سورية بالنسبة لمصر تشكل امتدادا طبيعيا لأمنها القومى.

أما فيما يتعلق بإخفاقات الرجل على المستوى الداخلى فهى ولا شك كبيرة للغاية لعل أهمها هي الفشل – حتى اللحظة – في مواجهة عصابة مبارك أو تقليم أظافرها، فمازالت العصابة تحكم مصر وتسيطر على مقدرات البلاد والعباد، ومازالت السرقات والنهب لثروات الوطن مستمرة، فعلى رأس الحكومة رجل مبارك وعضو لجنة سياسات الحزب الوطنى إبراهيم محلب، ومازالت السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتهجها الدولة هي نفسها التي كان ينتهجها مبارك ومن بعده الإخوان المسلمين والتي تصب في النهاية في صالح عدة عائلات، في حين يعانى الغالبية العظمى من الفقراء والكادحين والمهمشين.

ومن هنا يمكن القول إن الرجل إذا كان يراهن على عصابة مبارك، ودعم الخليج وخاصة السعودية للاستمرار في سدة الحكم، مع محاولاته الناجحة في استعادة الأمن والاستقرار النسبي، ومكافحته للإرهاب، واستعادته لدور مصر على المستوى الدولى، فإن رهاناته ستكون خاسرة، لأن الفقراء والكادحين والمهمشين الذين يشكلون الغالبية العظمى من شعب مصر هم القوة الضاربة التي قامت بثورتى يناير ويونيو وهم من جاء بالرجل لسدة الحكم ولن يقبلوا بغير تحقيق مطالبهم في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، والتي لن تتحقق إلا بمشروع اقتصادى واجتماعى متحرر من أسر المشروع الرأسمالى الغربي، ومواجهة حاسمة مع عصابة مبارك، هذا إلى جانب استعادة دور مصر الريادى في المنطقة العربية، هذا هو الرهان الرابح، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية