مصطفى محمود يكتب: انقذوهم من الجحيم

في مجلة صباح الخير عام 1957، وبمناسبة بدء الإجازة الصيفية كتب الدكتور مصطفى محمود مقالا يقول فيه:

الطبيعة تمقت الفراغ، فالحفر التي تحفر في الأرض لاتستمر فارغة، وإنما تمتلئ من تلقاء نفسها بالماء، والحفر في الجو تؤدى إلى مطبات هوائية تهدي إلينا الرياح، والحفر تحت الماء تؤدى إلى دوامات تجلب الماء، وأى ثقب في الجسم مايلبث أن يمتلئ بالدم.

الفراغ شئ مستحيل، والإحساس به يؤدى إلى الضجر والملل والألم، والأزرع حينما لاتجد شيئا تعمله "تهبش" في صاحبها، والطاقة العاطلة حينما لاتجد موضوعا تحبه تصرخ.

الرغبة العاطلة حينما لاتجد ميدانا طبيعيا تعمل فيه تبدد نفسها في العادة السرية والجريمة، والعقل العاطل حينما لاينصرف إلى عمل جيد ينصرف إلى موائد الورق وإطلاق النكات البذيئة..والسبب الفراغ.

الفراغ الذي يمتلئ بالعمل الضار؛ لأنه لايجد عملا نافعا يستوعبه، والزوجة التي يؤجر لها زوجها جيشا من الخدم ويضعها في البيت معززة مكرمة تخونه من الشهر الأول للزواج من شدة الملل.

والمجرمون في السجون والأسرى في المعسكرات يقعون ضحية الشذوذ الجنسى لأنهم يواجهون أربعة وعشرين ساعة من الفراغ.

الشباب في الإجازة الصيفية أربعة اشهر لايجدون حلولا جاهزة تقدمها لهم الحكومة، وأرى أنه يجب أن تخضع شهور الإجازة للتنظيم، كما تخضع شهور الدراسة بحيث لايقع الطالب ضحية الارتجال عموما الفراغ جحيم.