رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

المؤرخ الدكتور محمد رفعت الإمام: الأرمن أشد انتماء وولاء لمصر من الإخوان


  • حكم محمد علي شهد صعود الدور الأرمني في الإدارة المصرية
  • ستة أرمن تقلدوا مناصب وزارية في مصر في النصف الثاني من القرن الحادي عشر
  •  نوبار باشا لم يكن عميلا للإنجليز وحاربهم من أجل الفلاحين


أكد الدكتور محمد رفعت الإمام، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، عضو مركز الدراسات الأرمنية في جامعة القاهرة، أن تركيا العثمانية خططت ودبرت للإبادة الجماعية للأرمن إبان الحرب العالمية الأولى، موضحًا في حوار مع "فيتو"، أن هجرة الأرمن إلى مصر بدأت منذ عصر الأسرات، ثم مر اللجوء الأرمني إليها بثلاث مراحل، مشيرا إلى أن الأرمني نوبار باشا كان «رئيس وزراء» مصر، كان وطنيًا مخلصًا دافع عن الفلاح المصري ضد الإنجليز، كما أن الأرمن أثبتوا عبر كل هذه السنين أنهم أشد انتماء لمصر من بعض التيارات كالإخوان مثلا.. وإلى نص الحوار.



> للأرمن تاريخ طويل على أرض مصر.. فمتى بدأت هجرتهم إليها؟ ولماذا؟
أرمنيا ومصر وقعتا تحت احتلال دول كبرى في معظم فترات التاريخ مثل فارس وروما والدولة العثمانية، ما سهل حركة انتقال الأرمن إلى مصر.

واتسمت مصر بخاصية الجذب البشري في مقابل أرمنيا الطاردة، ويذهب البعض إلى أن هجرة الأرمن إلى مصر تعود إلى عصر الأسرات المصرية القديمة، ثم تزايدت خلال الحكم البيزنطي (527-640)، ولكن بدأ الأرمن يظهرون نسبيا في مصر منذ الفتح الإسلامي لها؛ حيث اشتهر بعضهم ممن أسلموا في هذا الفتح مثل القائد وردان الرومي، الذي ولاه الخليفة عثمان بن عفان (644-656) خراج مصر، كما تولى علي بن يحيى الأرمني إمارة مصر في الحكم العباسي.

وأطلق المؤرخون على النصف الثاني من القرن الحادي عشر الميلادي «العهد الأرمني»؛ لأن ستة أرمن تقلدوا منصب الوزارة في البلاد بعد الخليفة وهم: بدر الجمالي، الأفضل شاهنشاه، يانس الأرمني، بهرام الأرمني، طلائع بن رزيك، ورزيك بن طلائع، ولهذا فقد ازدادت أعدادهم وقويت سلطتهم، واتسعت نشاطاتهم التي شملت مجالات السياسة والإدارة الحربية، كذلك المجالات العلمية والعمرانية.

> وما مدى صحة اضطهاد الأرمن في العصر الأيوبي على أيدي صلاح الدين؟
بعد زوال الحكم الفاطمي في مصر، اضطهد صلاح الدين الأيوبي (1117-1193) الأرمن لكونهم من المخلصين للفاطميين، كما سرح جيشهم الذي كان يشكل جناحًا في الجيش الفاطمي، ما أدى إلى قلة أعدادهم في مصر، ولكن عندما فتح صلاح الدين القدس 1187، قام الأرمن بدور إيجابي لصالحه، ولذا منحهم امتيازات خاصة وحافظ على كل حقوقهم في الأراضي المقدسة؛ تقديرا لإخلاصهم وشجاعتهم، ودخل بعض الأرمن في خدمة صلاح الدين مثل المهندس بهاء الدين قراقوش والحاكم شرف الدين قراقوش ولؤلؤ الحاجب قائد أسطول صلاح الدين والقائد شرف الدين قرقريش.

> كيف تسببت الحملة الفرنسية في حدوث فتنة بين المصريين والأرمن؟
ازدهرت أحوال الأرمن في مصر خلال القرن الثامن عشر؛ نظرًا لأهمية الموانئ المصرية في التجارة الدولية، وقيام الأرمن بدور الوسطاء التجاريين.. ولكن تسببت الحملة الفرنسية (1798-1801) في خسائر لأرمن مصر؛ إذ اتفق الفرنسيون مع بعض الأقباط وألغوا الامتيازات التجارية للأرمن.

ومن ناحية أخرى، نظر المسلمون إلى كل المسيحيين الموجودين بمصر على أنهم حلفاء للفرنسيين، ولهذا انتهج المصريون سياسة عنيفة ضد الأرمن، وبذلك لم تفلت الأحياء التي قطنها الأرمن من هجمات المصريين إبان ثورتهم ضد الفرنسيين.

> ولماذا استعان محمد علي باشا بالأرمن خلال فترة الإصلاحات والنهضة؟
شهد حكم محمد علي صعود الدور الأرمني وتزايده في الإدارة المصرية، فقد قام الباشا بسلسلة من الإصلاحات الاقتصادية والإدارية التي استلزمت إدارتها أعوانا مخلصين، وبالتالي آثر الاعتماد على عناصر تتميز بالولاء لشخصه، حتى تؤازره في تحقيق مشروعاته، وهنا كان الأرمن في طليعة العناصر التي رحبت بالعمل إلى جانب الوالي المصري وفي مشروعاته، على نحو ما ذكره الجبرتي، ولم يكن الأرمن آنذاك، يتطلعون إلى إقامة دولة مستقلة لهم، وكانوا في حاجة إلى حماية سياسية سرعان ما وجدوها في «الباشا» الذي وفر لهم هذه الحماية مقابل الولاء، ولن يهدد الأرمن محمد علي عسكريا؛ لأنهم سوف يعملون في وظائف مدنية، ولن يضمروا طموحات للقبض على السلطة لأنهم مسيحيون.

وامتاز الأرمن بكونهم على دراية تامة بالشرق، وفي نفس الوقت كانوا على علاقة وثيقة بالمجتمعات الأوربية، ولذلك عملوا كمترجمين ووسطاء في المعاملات التجارية، والمداولات الدبلوماسية بين محمد علي والأجانب.

كما استعانت إدارة محمد علي بالأرمن المتخصصين في زراعة وصناعة النيلة «عشب ينمو على ضفاف النيل»، علاوة على أسطوات مهرة في جميع الحرف.

واتصف حكم محمد علي بالسماحة الدينية التي استفاد الأرمن منها في بناء كنائس ومدرسة ومستشفى للجالية، واستفاد الأرمن من وجود بوغوص بك يوسيفيان في بلاط الباشا، حيث استدعى عائلات نوباريان وتشراكيان وحكيكيان ودميرجيان وآبرويان، وهي العائلات الأرمنية التي ظلت تخدم في الإدارة المصرية طوال القرن التاسع عشر وحتى النصف الأول من القرن العشرين، ولهذا كله ارتفع دور الأرمن في خدمة مختلف مجالات الإدارة والاقتصاد، وحسب الجبرتي في بداية حكم محمد علي: «صار الأرمن أصحاب الرأي والمشورة»، وحسب هامون الفرنسي: «إن الأرمن دخلوا في كل مكان».

> كان نوبار باشا الأرمني أول رئيس وزراء لمصر.. فما صحة أنه كان عميلًا للدول الأجنبية ضد المصريين؟
مصدر هذه التهمة خصوم نوبار باشا من الإنجليز والفرنسيين والمنافسين في الدوائر السياسية المصرية، فضلا عن إنتاج ثورة يوليو 1952 صورة سلبية عن نوبار في المناهج الدراسية والقنوات الإعلامية، لكن على أرض الواقع كان نوبار من أبرز الشخصيات في القرن التاسع عشر على المستويين المحلي والدولي، فقد عمل في إدارة جميع حكام مصر منذ محمد علي وحتى عباس حلمي الثاني.

وقام بمعظم مفاوضات مصر خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ورأس الوزارة ثلاث مرات (1878 – 1879) و(1884 – 1888) و(1894 – 1895)، ونظم المحاكم المصرية، وأسهم في إلغاء السخرة.

ورغم التحولات السياسية التي مرت بها مصر، فهناك شارع نوبار بوسط القاهرة، والنوبارية، وأرض نوبار، والمحراث النوباري؛ ونظرًا لأنه حارب الإنجليز من أجل الفلاحين، فقد أطلقت جريدة الأهرام عليه لقب «أبو الفلاح».

> وهل شارك الأرمن في ثورة 1919؟
لم يشترك الأرمن في هذه الثورة؛ حيث ادعى الأتراك الموجودون في مصر أن الأرمن أطلقوا النيران على المتظاهرين، ما عرض الأرمن لبعض المضايقات، ولكن بسرعة نجح الأزهر والكنيسة الأرمنية في لم الشمل، كما ادعى البعض أن الأرمن حاولوا اغتيال سعد زغلول، ولكن بسرعة نجحت الداخلية المصرية في القبض على الجاني وتبرئة الأرمن، ولهذا زار زعيم الأمة سعد زغلول مطرانية الأرمن بالقاهرة.

> وما هو التوزيع الجغرافي للأرمن داخل مصر؟
تركز الأرمن في القاهرة بنسبة 70%، وفي الإسكندرية بنسبة 20%، وفي باقي الأقاليم لاسيما الزقازيق بنسبة 10%.

> مصر كانت جزءًا من الدولة العثمانية.. فلماذا اختارها الأرمن؟
حصلت مصر على استقلالها عن الدولة العثمانية عبر جرعات بدأت أيام محمد علي وتوسعت زمن إسماعيل، وبالتالي لم تعد مصر ترتبط بالدولة العثمانية إلا شكليًا فقط، وقد استفاد الأرمن من هامش الحرية الذي كانت تتمتع بها مصر، والتسامح الذي يتسم به المصريون، علاوة على وجود جالية أرمنية ثرية فيها.

> وما مراحل اللجوء الأرمني إلى مصر؟
جاء الأرمن إلى مصر مُهجرين ولاجئين في زمن المذابح الحميدية 1894 – 1896، وأثناء مذابح أضنة 1909، وإبان الإبادة 1915 – 1916، وجراء الحروب الكمالية 1920 -1923، فقد استقبلت مصر 2000 أرمني أثناء المذابح الحميدية، و4200 أرمني إثر الإبادة، و1008 من الأيتام نتيجة الحروب الكمالية.

> البعض يشكك في ولاء الأرمن لمصر.. فكيف ترى ذلك؟
يتسم الشعب الأرمني بولاء متداخل، ودوائر متضافرة، ويتسم الأرمن بالولاء المزدوج، فأرمنيا الأم التي أنجبت دون أن تُربي، ومصر الأم التي ربت دون أن تُنجب، ويمكن القول إن انتماء الأرمن لمصر يقوق انتماء تيارات مصرية كالإخوان.
Advertisements
الجريدة الرسمية