رئيس التحرير
عصام كامل

جامع القمامة في دار الكرامة


أحيانًا يوصف الشخص الذي يتسم بسوء الأخلاق وانحراف السلوك بأنه "قمامة"؛ ربما لكونها مصدر أذى وخطرا على المجتمع، فضلا عن أنها مما تأنف منه النفس.. على الرغم من ذلك، فقد ارتضت شريحة من المصريين بأن تتولى أمر "القمامة"، من حيث جمعها ونقلها إلى أماكن نائية خارج المدن..


هذه الشريحة عاشت في حياتها الدنيا تعاني، عملا ومنزلة ومكانة، فهي تحمل فضلات وبقايا ونفايات القوم على أكتافها، ومعها نظرات الكبر والتعالي والاشمئزاز، سواء من الكبار أو الصغار على السواء.. مع ذلك، هي لا تجد حرجا، أو حساسية، أو غضاضة في عملها، فلديها قناعة ورضا بما تقوم به، هل لأنها لا تجد عملا غيره، أو لأنه يحقق لها دخلا معقولا؟.. ربما، إذ بعد تدويرها يمكن أن تكون شيئًا ذا قيمة كبيرة..

إن ثمة فارقا بين جامع بقايا ونفايات الفنادق الكبرى والمطاعم، وبين جامع نظيراتها من البيوت، كما أن هناك فارقا في ذلك بين أحياء راقية، وأخرى شعبية.. صحيح أن المجتمع حول هذه الشريحة لا ينصفها، لكنها تشعر بقيمتها وذاتيتها، ثم هي لا تكترث كثيرًا أو قليلا بنظرات الآخرين، فهي تقوم بأجل وأهم الأعمال، وهي التخلص من القمامة، مصدر الأذى بالنسبة للجميع.. هي تعلم جيدًا أنها تقوم بعملية إنقاذ حيوي للمجتمع، سواء من الروائح الكريهة التي يمكن أن تنبعث من بقايا الطعام والمخلفات إن ظلت في مكانها أيام، فتنغص على القوم عيشهم وتجعل حياتهم جحيما لا يطاق، أو من خطر الحشرات الزاحفة والطائرة، التي تتجمع حول هذه البقايا، التي عادة ما تكون مصدرا لكثير من الأمراض والأوبئة.. ورغم هذا الدور العظيم، إلا أن جامعي القمامة لا يلقون الاهتمام اللائق والواجب.. إذا غابوا، بدأ القوم يشعرون بقلق، لا لشيء إلا لأن القمامة أصبحت تلالا أمام منازلهم وفي شوارعهم.. وإذا مرضوا، لا أحد ممن يترددون على بيوتهم يسأل عنهم..

فالعلاقة تقف عند حد القمامة.. وإذا ذهبوا إلى مستشفى، أو إلى أي مصلحة حكومية لم يجدوا عناية ولا اهتماما.. والمتأمل والمتابع لحياة جامعي القمامة، لا يتوقع أن يرسل أحدهم أولاده إلى المدارس لكي يتعلموا، فهم في الغالب الأعم يفضلون أن يبقوهم إلى جوارهم يعاونونهم في عملهم؛ أملا في أن يرثوا مهنتهم في مستقبل الأيام.. لكن، إذا حدث أن التحق بعض أولادهم بالمدرسة ثم بالجامعة وتخرجوا فيها بتفوق، حرموا من تولي بعض الوظائف، خاصة تلك التي ترصد لأناس بأعينهم، شاءت ظروفهم أن يولدوا في بيئات موسرة!

ويعيش جامعو القمامة على هامش الحياة، في أطراف المدن؛ حيث العشوائيات وما يرتبط بها من نقص في أشياء حياتية مهمة، فلا مياه نظيفة، ولا صرف صحي طبيعي، ناهينا عن الشوارع أو الحارات الضيقة، والهواء الملوث.. إلخ.. وتراهم عادة يرتدون أثناء العمل ملابس مهلهلة، وممزقة، وقد يلبس بعضهم أحذية أو بالأحرى "شباشب" بالية، لكن الكثيرين يمشون حفاة..

عزاء جامعي القمامة أنهم سوف يجدون في الآخرة من يهتم بهم.. من يستقبلهم ويرشدهم إلى محال إقامتهم في دار الكرامة؛ حيث لا تفاضل بين الناس إلا بالعمل الصالح.. ساعتها سوف يستغربون كثيرًا، فهم لم يتصوروا يوما أنهم سوف يسكنون القصور، وأن قصورهم بتلك الفخامة والعظمة والروعة، وهم يرفلون في ملابس زاهية، ويجلسون على أرائك رائعة وبديعة.. ساعتها أيضًا، سوف يتعجبون من التكريم الذي سوف ينالون؛ لأنه فوق الوصف والتصور.. ساعتها كذلك، سوف يتذكرون أيام البؤس والتعاسة والشقاء، أيام أن كانوا يحملون على أكتافهم بقايا الناس وفضلاتهم ونفاياتهم..
الجريدة الرسمية