رئيس التحرير
عصام كامل

رغم ما يظهرونه من تسامح!!


يجوز اعتبار جميع تيارات الأصولية الدينية "دوجماتيك"..  ماذا تعني "دوجماتيك"؟ 

تعني احتكار الحقيقةً، أو الإيمان بالحقيقة الواحدة، أو الحقيقة الإلهية من وجهة نظر واحدة وحيدة.. وجهة نظرهم هم، باعتبارهم هم وحدهم أهل الله.


كعادة الأصوليين، لدى تيارات السلفية الإسلامية يقين غير مبرر بأنهم هم وحدهم أحباب الله، وأن الحقائق الإلهية تبدأ وتنتهي عندهم.. لذلك، فعندما يدخل الأصوليون أرض السياسة مثلًا، فإنهم لا يدخلون للتفاوض والسجال، وفق ما تحتمه عليهم ملاعب السياسة وأساليبها، إنما يدخلون للسيطرة وفرض الرأي؛ تأكيدًا لاعتقادهم في مصدر آرائهم الإلهي.

الأصولية الدينية هي الدعوة للعودة بدول العصر الحديث إلى ما كانت عليه عصور الديانات الأولى، بصرف النظر عن تغير الظروف، وتبدل الأزمان.

رغبة الأصوليين الإسلاميين الدائمة في الاشتغال بالسياسة، كانت معضلة من معضلاتهم الملحوظة في العصر الحديث.. إذ أن السياسة متغيرة، والدين ثابت، والسياسة متلونة، بينما لا يقبل الدين التلون أو التغير.

السياسة هي فن تحقيق الممكن، والمتاح، بينما لا يقبل الأصوليون في الدين بغير إعمال النص، وبعضهم يختلف في التأويل، فيتقاتلون على مجرد الاختلاف!

سأل عمر بن الخطاب ابن عباس ذات مرة: على ماذا يختلف المسلمون بعدنا، فكتابنا واحد، ورسولنا واحد؟.. أجاب ابن عباس: "سوف يجيء قوم بعدنا، يقرأون القرآن، ولا يدرون فيما نزل، فيؤولونه، فيختلفون على تأويله، ثم يقتتلون على ما اختلفوا فيه".

وقد كان.. معظم أزمات التاريخ بسبب تأويلات الأصوليين للنص، والاختلاف على محددات التأويل في تسيير أمور الدول، فعندما تداخلت السياسة في الدين، قاتل الأصوليون المسلمون بعضهم على الاعتقاد، وقاتل الأصوليون المسيحيون أبناء دياناتهم على الهوية، كما قاتلوا بعضهم على الرأي.

لذلك.. فإن الدعوة لإخراج السياسة من الدين وجيهة، الدعوات لفصل الدين عن السياسة ليست ضد الدين، ولا ضد الله.. إنما هي تحرير لدين الله من منغصات السياسة.. فالدين سماوي، والسياسة دنيوية.. ثم إن مبادئ الدين واحدة، لكن مبادئ السياسة متغيرة، ومتعددة، ومختلفة.. وملتوية أيضا.

لكن دوجماتيكية "السلفيين" في السياسة، هي نفسها "الدوجما" الاجتماعية، وهي السبب مثلًا في موقفهم غير المحدد من الأقباط، أو اعتبارهم صفًا ثانيًا أحيانًا كثيرة في بلادهم، رغم أنهم مواطنون.

فالأقباط في نظر الأصوليين المسلمين، مخالفون لمبادئ العقيدة الأفضل لديهم، نادر بكار قال بالفم المليان إن الأقباط كفرة.. المعنى أن حقوقهم سوف تكون منقوصة، حتى مع الدعوة لقبولهم في المجتمع.. ورغم كل الكلام العسل الذي يتكلم به مشايخ السلف، وصفا لما عندهم من حريات لغير المسلمين.

إن مجرد إشارة مشايخ السلفية إلى قبولهم "غير المسلمين"، تعني أن هناك واقعين اجتماعيين لدى هؤلاء المشايخ، الواقع الأول هو المسلمون، والواقع الثاني هو غير المسلمين.. تفرقة واضحة.. وصريحة.. وشديدة.. وصارمة.. رغم ما يبديه المشايخ من تسامح.

"الدوجماتيك" بعد الثورة الفرنسية مثلًا، تسببوا في فساد اجتماعي وسياسي دام أكثر من 100 عام.. حتى تنبه الفرنسيون، فقد كانت أحزاب الدوجماتيك الدينية على النقيض من الأحزاب السياسية، ففي السياسة قد تتآلف مجموعة من الأحزاب رغم اختلاف الغايات، وتناقض الأفكار، وعدم وحدة المبادئ أحيانًا كثيرة.

مبادئ الأحزاب المدنية كانت تحمل سطوة الإلزام على أعضائها بوصفها مبدأ سياسيًا، وهو ما لم يكن يمكن مقارنته بسطوة إلزام مبادئ أحزاب الجماعات الدينية، بوصفها مبادئ إلهية.. فالأحزاب المدنية كانت دائمًا ما تسعى إلى تحقيق الممكن لا المفروض.. وعلى أساس التوافق لا التدافع.. بينما كان لدى الأحزاب الدينية من الخطوط الحمراء ما لا يجعل من التوافق ممكنًا مع الآخر معظم الأحيان.

ففي فقه السلفية المسلمين مثلًا، لا تصح ولاية المرأة، كما لا تجوز ولاية الأسير والضرير، ولديهم لا تجوز ولاية غير المسلم على المسلم، كما لا تصح الشورى إلا بين أغلبية مسلمة، فمن شروط صحة الشورى لدى مدارس الفقه الإسلامي، أنه لا يعتد بأغلبية غير المسلمين على المسلمين.. ولا يجوز اتفاق الأغلبية على ما يخالف اجتهاد مشايخ السلف، فإن حدث، يجوز الخروج على الأغلبية بالسلاح!

المعنى أن تفكير جماعات السلف (لو اتفقوا) على دخول الحركة الحزبية والانخراط في المجتمعات الحديثة بدلًا من العمل تحت الأرض، يشير إلى رغباتهم في إصباغ المجتمع بألوانهم، لا الاختلاط مع الألوان الموجودة.

لسنا ضد الجماعات السلفية.. وإنما هم الأضداد لمجتمعات ترفض العودة للخلف باسم الدين.. عدو المجتمعات الحديثة.. وهو الحكم على النوايا.. والمحاسبة على ما في الصدور!!

Twitter: @wtoughan
wtoughan@hotmail.com
الجريدة الرسمية