رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الخبير الإعلامى د. ياسر عبد العزيز: بعض المبدعين صاروا عاطلين بسبب موجات الانحطاط الفنى


>> القائمون على الإعلام يقدمون نماذج مشوهة للمجتمع.. ولا يعنيهم سوى الربح المادى
>> تلاشى الطبقة الوسطى أسهم فى ظهور أفلام البلطجى والراقصة

>> الدولة لا تدعم الأنماط الإيجابية فى عالم الفن

«رقص وعرى وإسفاف.. ومواد إعلامية متدنية تقوم بشكل أساسى على برامج الدجل وترفع شعار «للكبار فقط»، وبرامج تافهة لا تقدم شيئا مفيدا، هذه هى الخلطة الإعلامية التى تتبعها وسائل الإعلام المصرية، وتقدم من خلالها وجبات فاسدة للمشاهد المصرى، الذى أصبح لا يعرف أن يتذوق سوى هذا النوع من البرامج، وليس الأمر قاصرًا على البرامج فقط، بل يمتد أيضًا إلى الفن سواء على مستوى السينما أو الدراما التليفزيونية التى أصبحت مجالًا للتنافس فى الإسفاف والابتذال بين من يسمون أنفسهم مبدعين إلا من رحم ربى ممن لا يزالون حريصين على تقديم فن هادف ومحترم.
الدكتور ياسر عبد العزيز الخبير الإعلامى المعروف يكشف فى حواره لـ«فيتو» سر انتشار القبح فى الفن والميديا ويرى أن تلاشى الطبقة الوسطى ساهم فى تعالى اللغة المنحطة.
عبد العزيز أكد أن غياب الدولة وعجزها عن وقف الانفلات يهدد قيم المجتمع وينذر بكوارث مستقبلية وطالب بضرورة العمل على إصلاح منظومة التعليم كأحد الحلول لمواجهة سيل القبح فى مختلف الفنون.. وإلى نص الحوار:


> بداية، ما أسباب تفشى الابتذال فى الفن والميديا عموما؟
المجتمع المصرى الذى عرف بالحياء والانضباط الاجتماعى لسنوات طويلة تغير وأصبح يتعرض لموجة عارمة من الابتذال وقلة الذوق، وتوجد مجموعة من العوامل ساهمت فى تفشى الابتذال فى المجتمع حتى أصبح ظاهرة خطيرة تؤثر على الذوق والسلوك العام، وأصبح المجتمع يتقبل أنماطا من الأداء الإعلامى لم يكن يتقبلها فى أوقات سابقة ويتعامل معها باعتبارها أمرا طبيعيا وعاديا، وأصبحت هذه الأنماط تقتحم البيوت ويشاهدها الصغار قبل الكبار مما يمثل تهديدا حقيقيا لقيم المجتمع.

> تحدثت عن مجموعة من العوامل التى ساهمت فى تفشى الابتذال، ما هذه العوامل؟
توجد مجموعة من العوامل التى عظمت أثر موجة الابتذال في المجتمع، منها ما يعود إلى التركيبة الاجتماعية بسبب نمط الحياة العشوائى وتقلص الطبقة الوسطى، ونتيجة لذلك أصبح هناك ميل كبير لتقبل الابتذال واللغة المنحطة والوضيعة، والإعلام ساهم أيضًا فى تغذية حالة الانحطاط.

> كيف أسهم الإعلام فى تفشى الابتذال والانحطاط؟
الإعلام ساهم فى ذلك من خلال تدمير قيم الحياء وإفساد الذوق العام والسلوك المجتمعى، وذلك بسبب الرغبة فى تحقيق المكاسب التجارية، إضافة إلى قلة الإقبال على الإبداع وانصراف المبدعين الحقيقيين عن الإعلام والفن.

> كيف ترى تأثير تقلص الطبقة الوسطى على فساد المناخ الإعلامى والفنى؟
الطبقة الوسطى هى مخزن القيم الرئيسية وهى المعنية بعملية الضبط الاجتماعى، لكنها تقلصت وتشوهت وتعرضت لضغوط كبيرة ساهمت فى تقبل فكرة وجود أنماط فنية وإعلامية متدنية.

> وهل لتراجع مستوى التعليم دور فى تفشى الفساد والانحلال فى العمل الفنى والإعلامى؟
بالطبع، لا يمكن أن ينكر أحد أن التعليم فى مصر أصبح فى حالة يرثى لها، وخاصة فى السنوات الأخيرة، وذلك بسبب عدم اهتمام الدولة بوضع خطة لتطوير التعليم بشكل جاد للارتقاء به من خلال مجموعة من المعايير إضافة إلى تخصيص ميزانية محترمة لكل ما يتعلق بالتعليم، وساهمت حالة التدنى فى التعليم وفساده فى نشر ثقافة الانحطاط والفساد الأخلاقى فى المجتمع بصفة عامة، ونتيجة انتشار الجهل فى المجتمع أصبح هناك تقبل لوجود أنماط منحطة ومتدنية من الأداء الفنى والإعلامى وأصبح المجتمع يتعامل معها باعتبارها أمرا طبيعيا ولا يمثل أى خدش للحياء أو تجاوز أو انحطاط فكرى.

> هل للدولة دور فى تفشى الابتذال فى الإعلام والفن؟
نعم، الدولة ممثلة فى الحكومة والجهات الرسمية المعنية بالإعلام والفن هى المسئول الأول عن فساد المنظومة، فقد شهدت الفترة الأخيرة تراجعًا ملحوظا فى دور الدولة فى دعم أنماط الأداء الفنى والإعلامى المسئولة والإيجابية، وبسبب العوامل الاجتماعية والإعلامية وتراجع دور الدولة أصبح الرواج هو عنصر القيمة الأعلى وتم طرد الممارسات الجيدة وأصبحت مصر تعيش حالة من التدنى وفساد الذوق فيما يتعلق بأنماط الأداء الفنى والإعلامى، وهذا لا ينفى وجود عدد من المبدعين الحقيقيين الذين يحاولون مقاومة موجة الفساد، ودون وجودهم تكون المخاطر أكبر.

> تحدثت عن وجود مبدعين حقيقيين على الساحة الإعلامية والفنية.. أين هم مما يحدث؟
أرى أن الساحة لا تخلو من وجود مبدعين حقيقيين فى مجال الفن والإعلام، والحق يقتضى أن نعترف بذلك، وبدون وجود هذا العدد من المبدعين-وإن كان قليلا- لأصبحت الفوضى هى شعار المرحلة وتدهور مستوى الأداء بشكل أسوأ، «هذا العدد من المبدعين بمثابة درع الحماية للإعلام والفن ونتمنى زيادتهم للارتقاء بالأداء».

> تحدثت عن أسباب الظاهرة، فكيف يمكن علاجها؟
أرى أن علاج مشكلة تدنى أنماط الأداء الإعلامى والفنى يتم من خلال حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بثقافة العشوائية، فأى منطقة عشوائية يكون لها نمط الأداء العشوائى الخاص بها والذى يلبى مطالبها، وتكون هذه المناطق العشوائية أكثر المناطق تقبلًا للأنماط العشوائية فى الأداء الفنى والإعلامى وتدافع عنها وتراها أمورا طبيعية.
ويجب أن تعود الدولة إلى لعب دور أكثر فعالية فى مجال دعم الأداء الإعلامى والفنى، ويجب على الدولة أن تعالج مشكلة العشوائيات التى ساهم زيادة عددها فى انتشار ثقافة العشوائية فى الفن والإعلام، لأن المجتمع العشوائى لا يقبل الفن الراقى الجيد والهادف، وإنما يقبل الفن الذى يعكس صورته ويتحدث بلغته مثل أفلام البلطجة والعنف والرقص والمهرجانات التى أصبحت سمة غالبة في السينما وتحقق أرباحًا تجارية عالية، ويجب أيضًا أن تعمل الدولة على علاج مشاكل التعليم واتخاذ خطوات جادة فى سبيل الإصلاح الاقتصادى والاجتماعى، ودعم المبادرات الفنية والإعلامية الجيدة.

> كيف ترى دور الرقابة، وهل يمكن أن تساهم فى ضبط الأداء الفنى والإعلامى؟
الرقابة جزء من الماضى، والحديث عنها لا يمكن أن يعود بالفائدة على المجتمع، ولن يسهم فى علاج مشاكل الإعلام والفن، وهذا لا يعنى ترك منظومة العمل بدون أى ضوابط، لكن يجب أن تكون هناك آليات لضبط الأداء تتم من خلال التعاون بين الدولة والجهات المعنية بالإعلام والفن.

> هل يمكن الاستعانة بالتجارب الغربية من أجل ضبط الأداء الفنى والإعلامى؟
يمكن الاستفادة منها بما يتناسب مع ظروف المجتمع المصرى، لكن يجب علاج المشاكل المرتبطة بمنظومة الإعلام، والنظر بجدية إلى العوامل التى أدت إلى تدنى مستوى الأداء ومحاولة تقديم حلول جادة لها للارتقاء بالأداء الفنى والإعلامى والارتقاء بمستوى المشاهد، خاصة أن الإعلام أصبح لا يلبى طموحات المصريين، وهو مثقل بالكثير من الهموم من بينها تردى الأداء المهنى والخضوع لرغبات السلطة التنفيذية التى تملك مفاتيح الإعلام، والبحث عن الفضيحة أصبح سلوكا عاما فى الإعلام، والأكثر رواجًا هو الأكثر نجاحًا لكن القيمة ليست مطلوبة لذاتها والأداء المهنى المعيارى ليست محل طلب وأصبح الجمهور يمثل دور الضحية لكن هو المذنب الأساسي، وكلها أمور تحتاج إلى حل عاجل.
Advertisements
الجريدة الرسمية