رئيس التحرير
عصام كامل

صمت السيسي كان عتابًا أم اختبارًا ؟


إنني في الحقيقة قبل خطاب السيسي في الندوة التثقيفية للقوات المسلحة السابعة عشرة كنت أنتوي كتابة مقالي هذا اليوم تحت عنوان (صمت السيسي عتاب أم اختبار). أما وقد تحدث السيسي؛ فإنه أصبح لزامًا علينا أن نتحقق، هل كان صمته عتابًا أم اختبارًا؟


لقد حمل خطاب السيسي أول أمس العتاب والاختبار، والحقيقة المرة أن الرئيس السيسي بدا عليه الحزن الذي حاول جاهدًا أن يخفيه عن أهله وناسه، عن المصريين، إلا أن عينيه وصوته أفصحت عن كثير من العتاب، الذي عبّر عنه صراحة عندما قال: (أنا مش عارف إحنا إزاي مش متأكدين رغم الهموم الكتيرة ورغم التحديات اللي موجودة مش متصورين إن إحنا قادرين كشعب ودولة إن احنا نتغلب عليها، ونعمل مستقبلًا عظيمًا، مش بس لينا، لأبنائنا، هو إرادة 90 مليون قليّلة واللا إيه؟ إرادة 90 مليون أبدًا أبدًا مش قليّلة)، ثم أفصح بقوله: (أنا لاحظت خلال الفترة اللي فاتت قلقًا واضطرابًا وارتباكًا، ليه؟! ليه؟!).

ثم ازداد عتاب السيسي عندما سرد من الماضي ما يعوّل به على الحاضر حينما قال: (أنتم متصورين إن الأذى والمشاكل اللي تمت في 40 سنة دا مين يقدر يخلصها في سنة واتنين وتلاتة وأربعة وعشرة؟ لا طبعًا). وهنا فإن رسالة السيسي إلى الشعب المصري تقول: أعينوني ولا تحمّلوني ما لا طاقة لي به.

ثم أفصح الرئيس السيسي عن نتيجة الاختبار الذي صمت من أجل إجرائه، عندما ذكّرنا بالعقد المبرم بيننا وبينه بقوله: (أنا من الأول خالص قلت للمصريين، وكنت واضحًا معاهم، قلتلهم يا مصريين إذا كان الموضوع مرتبطًا بي لوحدي أنا ماقدرش أعمله لوحدي، هنعمله مع بعض؛ لأنه تحد). وهنا نلحظ أن نتيجة الاختبار لم تكن في صالح الطرف الثاني، الشعب المصري.

ثم وجدنا الرئيس السيسي يعلن تفاصيل نتيجة الاختبار، وبدأ بتقييم نفسه أولًا، ثم تقييم الطرف الثاني وهو الشعب؛ فقال: (طب يا ترى أنا باعمل اللي عليّ؟ هقول: بحاول أعمل اللي عليّ، بحاول. طب يا ترى أنتم بتعملوا اللي عليكوا؟). هنا وجدناه بحسن خلقه يبادر بأداء سريع خاطف ليجيب بقوله: (أتمنى إن أنتم تكونوا بتعملوا اللي عليكوا). والتمنى يحمل عتابًا مؤلمًا من جانب الطرف الأول وهو الرئيس السيسي.

وبالرغم من العتاب والاختبار إلا أن الرئيس السيسي غلّب المصلحة العليا للوطن على مصلحته في الفضفضة مع الشعب المصري معاتبًا إياه، وكذا أيضًا عمل على إخراج الشعب المصري - ممثلًا في الحاضرين – من بؤرة الملامة والعتاب للنظر إلى المستقبل، فلا يجب أن نخوض في العتاب أكثر من اللازم، وبالفعل قام على الفور بتجريد نفسه وتجريد المصريين من الهوى، وقام بالتوجيه المباشر من خلال المفاتيح السياقية؛ ليكسر تابوه الحاكم نصف الإله، وقال: (أنا مش عايزكم تبقوا معايا أنا، أنا عايزكم تبقوا مع مصر، مش معايا أنا... وصدّقوني أنا بتعامل معاكم على أنني واحد منكم مش رئيسكم). وعلكم لاحظتم أنه كرر ما يخصه (مش معايا أنا) مرتين، في حين قال ( تبقوا مع مصر) مرة واحدة؛ لأنه يعمل الآن على كسر تابوه الشخصنة، ويوجه الجميع بضرورة العمل على رفعة مصر.

إلا أننا لاحظنا أن الاختبار ظهرت نتيجته بأن الرئيس السيسي تأكد من أن شعبيته ما زالت في قوتها وصلابتها، وأن الشعب المصري يحبه كثيرًا، رغم أن الشعب من وقت لآخر يتناسى بنود العقد المبرم، وهنا قام السيسي بتذكير الشعب المصري بأهم بند في الاتفاق، وهو أنه جاء رئيسًا لإنقاذ سفينة مصر، وليس لرفاهية عيش المواطنين في مصر في الوقت الراهن، ولذا قال: (أنا واحد منكم، كل همي إنها تنجى، كل همي إنها تفضل واقفة بس)، وهذا تلخيص قوي موجز لرسالة الرئيس السيسي، ومن عاود الاستماع إلى قوله (إنها تنجى)؛ لتبيّن له أن الشكل التنغيمي لأداء الرئيس اتسم بالصعود فالانخفاض فالصعود فالانخفاض، بما عكس أن إنقاذ مصر من وقعتها هذه مطلب صعب المنال، ولو تحقق، وسيتحقق إن شاء الله، فقد فزنا جميعًا فوزًا عظيمًا.
صمت السيسي كان عتابًا واختبارًا.
الجريدة الرسمية