رئيس التحرير
عصام كامل

«الحجاب في أوربا».. روسيا تسمح بتصوير الأوراق الرسمية بـ«الحجاب».. وألمانيا تستجيب للمسلمات وتمنح المعلمات حق ارتدائه بالمدارس


رغم أن أوربا علمانية إلا أن ضمانات الحريات على أرضها كانت كفيلة بتحقيق انتصارات متتالية لقضية الحجاب هناك، وتمت إزالة كثير من معوقات ارتدائه في المصالح الحكومية والمؤسسات التعليمية بعدد من هذه الدول.


صور المحجبات بروسيا
باكورة هذه الانتصارات انطلق قطارها من روسيا؛ والتي يوجد على أرضها نحو 20 مليون مسلم، وسمحت هيئة الهجرة الفيدرالية الروسية للمسلمات المحجبات القادمات إلى روسيا بالتقاط صور فوتوغرافية لأوراقهن الشخصية دون خلع الحجاب، وذلك من خلال أمر وزارى من قِبَل رئيس هيئة الهجرة الفيدرالية الروسية، قال فيه: «يُسمح بالتقاط الصور الفوتوغرافية للمحجبات شريطة ألا تغطى ملامح الوجه».
وهذه الخطوات كانت في السابق مستحيلة، واشترطت السلطات الروسية (قبل القرار الجديد) خلع الحجاب بالكامل في السابق دون حجب شعر الرأس في صور الوثائق الرسمية، ولا تزال هناك الكثير من المساعى من جهات إسلامية للسماح بارتداء الحجاب في المدارس الروسية حتى الآن.

معلمات ألمانيا
أما في ألمانيا، فقضت المحكمة الدستورية الألمانية، مارس الماضي، بأحقية المعلمات المسلمات بالمدارس الألمانية في ارتداء الحجاب، في حكم يتوقع أن يؤدى إلى رفع دعاوى مماثلة أمام المحاكم.
قضاة المحكمة في كارلسروهى قالوا إن ارتداء المعلمات الحجاب في المدارس الحكومية لا يمكن منعه ما لم يكن هناك «خطر ملموس» يؤثر في حياد الدولة أو يؤدى إلى الإخلال بحسن سير المدرسة.
ويفترض أن يؤدى حكم المحكمة إلى إطلاق جدلٍ واسعٍ في بلد يضم نحو 4 ملايين ونصف المليون مسلم من أصل 82 مليون نسمة عدد سكان ألمانيا، بعد أن كان محصورًا داخل أروقة القضاء.
منذ عام 2003 وبناءً على أول قرار بهذا الشأن للمحكمة الدستورية، قرر عدد من الولايات الكبرى منع المعلمات من ارتداء الحجاب داخل حرم المدارس الحكومية لكن المحكمة الدستورية رأت أن المنع العام للإشارات الدينية في المظهر الخارجى للمعلمين والمعلمات «لا يتطابق مع حرية المعتقد»، التي وردت في القانون الأساسى (دستور) للعام 1949.
وعارضت المحكمة أيضًا في حكمها عدم تغليب القيم والتقاليد المسيحية كما هي الحال في مقاطعة رينانيا شمال فستفاليا المنطقة، التي تضم أكبر عدد من السكان في ألمانيا وعاصمتها دوسلدورف حينها، فيما رحب المجلس المركزى لمسلمى ألمانيا (إحدى المنظمات التمثيلية لهذه المجموعة) بحكم المحكمة هذا معتبرًا إياه «مؤشرًا إيجابيًا»، على حد تعبيرهم.

الحضارة النمساوية
من بين دول العالم الغربى التي تحتضن على أراضيها جاليات مسلمة «النمسا» بوصفها من أقدم الدول اعترافًا بحقوق المسلمين، ويحظى الإسلام باعتراف رسمى باعتباره الديانة الثانية في البلاد بعد الكاثوليكية، ويتمتع فيها زهاء نصف المليون مسلم من بين ثمانية ملايين نسمة هم إجمالى عدد السكان فيها، بحقوق قانونية وامتيازات ربما لم يحظ بها نظراؤهم الذين يفوقونهم عددًا من المقيمين في دول غربية أخرى.
في عام 1919، وقعت اتفاقية الدولة المعروفة بسان جيرمان، وهى الاتفاقية التي اعترفت الحكومة النمساوية بحماية الأقليات، وتوفير الحماية التامة لجميع المواطنين أيا كانت دياناتهم أو أصولهم العرقية، وحصل المسلمون على حقوق وامتيازات كفلها لهم قانون الإسلام.
ومن جانبها، سمحت وزارة الداخلية النمساوية للمسلمات بارتداء الحجاب، أثناء العمل وفى المحافل العامة، كما سمحت لهن بوضع صورهن الشخصية وهن محجبات داخل جوازات السفر، وكذلك منحت وزارة التعليم الطالبات النمساويات المسلمات الحق في ارتداء الحجاب والملابس المحتشمة، أثناء حصص التربية الرياضية.
وفى أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، ورغم أن النمسا دولة عضو بالاتحاد الأوربي، ويتعين عليها الالتزام بالسياسة العامة الأوربية المناهضة لما يسمى «الإرهاب الإسلامي» فإن السلطات النمساوية وضعت في حسبانها خصوصية الحالة النمساوية في العلاقة مع الإسلام والمسلمين، كما راعت الخط الأساسى العام للسياسة النمساوية والذي ينطوى على بعد حضارى وثقافى عميق يتمثل في دعم أواصر الحوار مع الأديان والثقافات الأخرى وإثراء لغة التفاهم والتقارب معها.

محاميات تركيا
نهاية العام الماضي، أعلن رئيس الوزراء التركى أحمد داود أوغلو أن الحكومة الإسلامية المحافظة في تركيا سمحت بارتداء الحجاب، نافيًا أي رغبة في التدخل في أسلوب حياة الأتراك.
أوغلو أضاف: «عندما ألغينا حظر ارتداء الحجاب في الوظيفة العامة عام 2012 لم يحدث أي نزاع»، إلا أن المعارضة العلمانية في البرلمان ترفض بشدة على السماح بارتداء الحجاب في المدارس معتبرة أن ذلك سيضر بالعلمانية. ورغم ما سبق، منحت الحكومة التركية الحق للمحاميات التركيات في ارتداء الحجاب داخل المحاكم، بعد سجال طويل من الناشطات الإسلاميات للمطالبة بالسماح لهن بارتداء الحجاب أثناء المحاكمات.

النرويج في الصورة
أما في النرويج، فأزيلت عوائق ارتداء الحجاب عن موظفات الخدمة المدنية والشرطة والقضاة، وسمح لهنّ بارتداء الحجاب، وغيرها من رموز الانتماء الديني.
هذه الخطوة، جاءت بعد التصويت على هذه المسألة في اللجنة الحكومية الخاصة بشئون الدين، وأيّد هذه الفكرة 12 عضوًا من اللجنة بينما عارضها ثلاثة فقط، ويقدر عدد مسلمى النرويج بـ150 ألف نسمة من إجمالى أربعة ملايين ونصف مليون نسمة، كما توجد لهم أكثر من 90 مؤسسة ومركزًا إسلاميًّا في أنحاء النرويج، من بينها 30 مركزًا ومؤسسة في العاصمة أوسلو وحدها.
وتشهد النرويج منذ عام 2008 نقاشات حادة حول إمكانية إدخال عناصر إلى الشرطة بأزياء دينية، وذلك عندما أرسلت إحدى الفتيات المسلمات التي درست في مدرسة الشرطة العليا رسالة إلى القيادة في الشرطة تطلب فيها السماح لها بارتداء الحجاب، ثم أحيلت الرسالة إلى الحكومة، سرعان ما أدَّت إلى مناقشة واسعة في البرلمان ووسائل الإعلام.

تعويض محجبة بلجيكية
وفى بلجيكا، يشكل المسلمون 5% من الشعب، غالبيتهم ينحدرون من أصول مغربية وتركية لطالما فرض الحجاب والجدل الدائر حوله على رأس النقاشات في المجتمع البلجيكي، فقد حظرت السلطات المحلية بعض المناطق في فلامندر (شمال) وبروكسل البرقع «النقاب» أو ملابس أخرى تخفى الوجه بالكامل إلا أنها سمحت للمسلمات بغطاء الرأس.
كما انتصرت محكمة بلجيكية لمسلمة محجبة عندما أصدرت حكمًا يقضى بتعويضها بعدما طردت من عملها بسبب ارتدائها للحجاب، وقررت المحكمة تعويض الموظفة ماديًا عن الأضرار التي وقعت عليها بمبلغ يصل إلى 10 آلاف يورو.

منتخب الدنمارك «محجبات»
الاتحاد الدنماركى لكرة القدم أعلن في وقت سابق أنَّ لاعبات كرة القدم في الدنمارك باستطاعتهن ارتداء الحجاب بداية من الموسم المقبل، مستشهدًا بقرار مجلس الاتحاد الدولى للعبة (إيفاب) بالسماح للاعبات بارتداء الحجاب، ورحب آلين هانسن، رئيس الاتحاد الدنماركى بالقرار، مشيرًا إلى أنَّهم طالبوا بإرشادات دولية منذ عام 2008.
وأقر «إيفاب» العام الماضى التزام اللاعبات ببعض الشروط في الحجاب مثل ضرورة أن يكون من نفس لون قميص اللعب وألا يغطى الوجه وألا يكون مثبتًا بشكل قوى بقميص اللعب.

أمر واقع بإيطاليا
في إيطاليا حيث يوجد مليون مسلم، عادت مسألة الحجاب لتطرح وبقوة عقب تصريح لرئيس الحكومة الإيطالية السابق رومانو برودي، قال فيه: «إذا أرادت المرأة أن تضع الحجاب فلا بأس لكن عليها ألا تخبئ وجهها». يأتى ذلك بعدما تعثر السماح بارتداء الحجاب لفترات وبخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، ونظرة الغرب لكل ما هو مسلم كونه إرهابيًا متطرف، إلا أنه ومع تنامى نسبه المسلمين المقيمين بإيطاليا عادت مؤسسات حقوق الإنسان لتدافع عن حق المسلمات في ارتداء زيهم الديني، الأمر الذي استجابت له الحكومة الإيطالية.

هولندا ترحب
على الأراضى الهولندية، يوجد 6% من الشعب مسلمين، ويمكن للموظفات الرسميات وضع الحجاب، إلا إذا كان ذلك «يتداخل مع الأمن أو حسن سير العمل والحياد»، وأصبح الجدل يتركز على البرقع حتى ولو أنه لا يشمل إلا أقلية.
البرلمان الهولندى قبل عام صوت لصالح منع النقاب في الأماكن العامة لكن الإجراء لم يطبق بعد، إذ اعتبرته وزارة العدل يتناقض مع قانون مكافحة التمييز.
رغم أن اضطهاد المسلمات المحجبات في الغرب لم يتوقف وبخاصة عقب أحداث 11 سبتمبر إلا أن أوربا تدخل حاليًا في طور جديد يشير إلى أن المجتمعات الغربية، التي طالما طالبت المسلمين بالاندماج والتعايش، صار لزامًا عليهم أن يقدّموا كذلك نموذجًا للتعايش من الإسلام ومجتمعه ورموزه في الوقت الذي يعيش فيه الشوباشى وأقرانه خارج الزمن.
الجريدة الرسمية