رئيس التحرير
عصام كامل

آه يا بلد.. لا النجيلة بتخلص ولا الحمير بتشبع!


ياه بعد شهور طويلة أخيرًا وصلت بلدنا ودلوقتي أنا زي ما بيقولوا في المثل الشعبي "بتمرمغ في تراب بلدنا" بس المرة دي أنا "بتمرمزغ" على النجيلة في غيط قريتنا في الفلاحين، ايوه قريتنا، أنا قصدي ببلدنا في الجملة اللي فاتت مش مصر خالص، أنا قصدي بيها بيتنا وغيطنا في الفلاحين في المنصورة.


القرية دي زمان من يجي 20 سنة كدة كنت بحلم ليل نهار اني اسيبها واطلع بقى للعيشة والبرطعة في المدينة، بيقولوا هناك بنات مزز وزي الفل وكمان فيها الكهربا منورة الدنيا ليل نهار، والمحال والكافيهات وكل حاجة ممكن تخليك مبسوط وسعيد مفتوحة ليل نهار.

بيقولوا كمان إن فيها ناس لابسة نضيف وحاطة برفان ريحته زي الفل، مش زي عندنا في البلد مفيش غير ريحة العرق ومفيش تحتك غير تراب لو جه عليه شوية ميه يتحول لطين يبوظلك هدومك وفوقك مفيش غير سما صافية مش قادرة تمنع الشمس إنها تقور دماغك في الصيف وانت شغال في الغيط وفي الشتا مليانة سحاب أسود غامق هيخليك تصحى طول الليل تداوي في نقع سقف البيت عليك لحد الصبح من كتر الشتا.

زمان كنت بحلم ليل نهار اني اسيب اللونين اللي معرفش غيرهم، الأخضر والأسود، منين ما تبص مش هتشوف إلا خضار الزراعة حواليك ومنين برضه ما تبص تاني مش هتشوف إلا الأرض السودا اللي الفلاح شغال فيها ليل نهار علشان يزرع ويقلع فيها، زهقت خلاص من ده كله، عايز اشوف ألوان تانية، زهقت من النجيلة اللي طالعة في كل حتة في المحصول في غيطنا ومهما نكافح فيها ونشيلها ترجع تاني تطلع اقوى من الأول، سبنا فيها الحمير ياكلوها برضه مخلصتش، جبنا مبيد ليها من دكان الراجل بتاع المبيدات برضه مماتتش، كنت فاكر أن النجيلة دي مرض العصر لأني مكونتش شايف غيرها لدرجة اني كنت بحلم في اختراع يقضي عليها بتاتًا علشان أرتاح شوية من شغل الغيط.

النهاردة وبعد طول غياب رجعت لنفس الأرض ولقيت لسة النجيلة موجودة ومخلصتش، الحمار ده اللي واقف هناك وببص عليه وهو بياكل في النجيلة هو هو نفس شكل الحمار اللي سبته من أكتر من 20 سنة بياكل فيها وبرضه مخلصتش، بس المرة دي أنا راجع البلد ونايم على النجيلة اللي كبرت وزادت مساحتها أكتر من الأول وأنا مبسوط بيها، معقولة كان هيجي اليوم ده اللي أحس فيه اني بحب النجيلة؟! ايوه يا سيدي ومحبهاش ليه، ما أنا روحت خلاص المدينة وعشت فيها وشوفت إن النجيلة دي ليها استخدامات تانية كتير غير إنها بتبوظ حياة الفلاحين.

فيه دلوقتي مثلًا نجيلة بتتزرع في ملاعب كرة القدم علشان اللاعيبه يجروا عليها ومينكسروش، النجيلة دي بيزرعوها ويرووها في الجناين علشان الأطفال يلعبوا عليها، كمان مش هتلاقيها بشكل كويس ومنسق إلا في فلل وسرايات الناس العليوي وهى موجودة نحون البيسين بتديك راحة نفسية مع تناغمها مع البورسلين اللي في الأرض، أول مرة أحس إن النجيلة اللي الحمار بياكلها دي ثروة قومية المفروض منفرطش فيها.

يا سلام على النوم فوق النجيلة والاستمتاع بالسما الصافية فوقي والأرض السودا الحنينة، دي أول مرة احس فيها إن السما الصافية في القرية ميزة، أول مرة أحس إن الأرض السودا تحتي حنينة عليا وبتحبني وانها أحسن من أسفلت المدينة اللي مبيرحمش محتاج قعد عليه يشحت لقمة عيشة والناس فاكراه متسول.

أنا مش قادر بقى لازم اقول لصاحب الحمار إن حماره بيدمر ثروة قومية لازم نحافظ عليها، أخيرًا قومت اتكلم مع الفلاح:
- ياعم الحاج ابعد حمارك عن النجيلة كدة هيبوظها
- طب ما يبوظها، أنا عايزه يقضي عليها خالص علشان ارتاح منها
- بس لو حمارك فضل ياكل فيها كده هيخلصها وإحنا محتاجينها
- مش انت فلان ابن عم فلان اللي عايش في مصر
- ايوه ياحاج
- ايوه ايوه.. علشان كدة متعرفش، بص يا بني إنت من يوم ما طلعت روحت مصر وحميرنا وحمير الجيران وجيران الجيران بياكلوا في النجيلة دي ولا النجيلة بتخلص ولا الحمير الطفسة دي بتشبع.. فمش عايزك تقلق خالص عليها.. النجيلة بتكفي الكل.

حسيت في اللحظة دي إن كلامي مع الفلاح ده ممنوش فايدة، ما هو عمره ما عاش بره القرية وشاف النجيلة دي ممكن يتعمل بيها أيه، وبعدين ما أنا كمان كنت زيه زمان بحلم بكائن فضائي يجي يخلصنا من وبا النجيلة وبلاويها فلازم أعذره وأعرف أن عمره ما هيقتنع بكلامي إلا لو عاش في المدينة.

راجعلك يا مدينة ياللي مقدرة قيمة النجيلة ومبتسبيش الحمير ياكلوها ويضعيوا قيمتها، راجعلك يا بلد محال البيتزا والفينو، راجعلك ولما هرجعلك هحكي لأصحابي فيكي على الناس اللي عايشين في بلدنا وعندهم نجيلة بالكوم وبدل ما يستفيدوا منها بيخلوا الحمير ياكلوها ليل نهار.
الجريدة الرسمية