رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«فيتو» تكشف في تحقيق استقصائي «السرطان في لقمة عسل»..السرطان والفشل الكلوى لمتناولى «العسل الأسود» من مصانع «بير السلم».. المستشار زكريا شلش: السجن 5 سنوات بانت


«الحمد لله بعد سنين كتير مرت، وصلت تأشيرة دخول دولة الكويت، اللى بعت عشانها ميراثى عن والدي، واستلفت نحو 15 ألف جنيه للحصول عليها»... هلل «سليمان» - 32 عامًا بعدما وصله خبر حصوله على تأشيرة السفر إلى الكويت، أسرع لموقف ديروط، بمحافظة أسيوط في صعيد مصر، ليستقل سيارة تنقله إلى القاهرة، لتوقيع الكشف الطبى عليه، في هذه الأثناء عمت الزغاريد والفرحة أرجاء البيت، فالآمال كانت معلقة على سفره للكويت، ليخرج أسرته من مرارة الفقر، إلى «جنة الكفاية»، وما هي إلا ساعات معدودات حتى تم اغتيال الحلم، بعد أن أخبره الطبيب أنه غير لائق صحيًا نظرًا لإصابته بمرض السرطان».



رجع سليمان، يجر الخيبة، ويندب الحظ العثر، كل شيء راح، الحلم الذي سعى لأجله سنوات، راح في لحظات»، وفى النهاية قال «مشيئة الله تعالى».
أخبر عائلته بـ«نبأ السرطان» بعد يومين من الكتمان، فكانت فجيعة الأسرة، أكبر بكثير من سليمان نفسه، إذ لديه من الأشقاء ثلاث فتيات بحاجة لشراء مستلزمات الزواج، وهنا لم يجد أمام إلا العودة لعمله القديم في مطعم صغير على أطراف طريق «القاهرة –أسيوط» الزراعي، لينفق على أسرته.
أكد «سليمان» أن الطبيب شخَّص حالته، بأن الطعام التي يتناوله يعد سبب أساسيًا في إصابته بـ»السرطان»، فـ»سليمان» تعتمد أسرته على العسل الأسود، كوجبة أساسية تحل على المائدة ثلاث مرات، نظرًا لرخص ثمنه، إذ أن سعر الكيلوجرام الواحد منه 5 جنيهات فقط، وربما يكون هو السبب وراء الإصابة بحسب الطبيب أحمد عمران، بمحافظة أسيوط.
«فيتو» بحثت وراء السبب المحتمل للإصابة، وبالفعل اتضح أن المتهم الرئيسى في «سرطان سليمان» هو العسل الأسود وتحديدًا الذي تتم صناعته بطريقة غير آمنة، في مكان يطلق عليه مجازا مصنع يقع على أطراف محافظة المنيا، ويبعد عن مدينة ديروط بمحافظة أسيوط، نحو 20 كيلومترًا.
المصنع يقع في منطقة الرحمانية، قائم منذ نحو 15 عامًا، ينتج المصنع نحو 8 أطنان عسل يوميًا، توزع على محافظات الصعيد، خاصة محافظتى المنيا وأسيوط، ويبلغ سعر الكيلوجرام من العسل 5 جنيهات للمستهلك، و3 جنيهات ونصف الجنيه لتجار الجملة.

الطريق إلى الرحمانية.. 48 ساعة في «بير السلم»
انتقل الصحفى إلى قرية الرحمانية بمحافظة المنيا، وهى المنطقة الأشهر لتصنيع العسل في صعيد مصر بأكمله، والتقى هناك صاحب مصنع يدعى المعلم فايز، وأقنعه بحاجته للعمل لتوفير لقمة العيش لأسرته، خاصة أنه حاصل على تعليم عال، لكنه بحاجة إلى العمل، رمقه المعلم فايز بنظرة غير مبالٍ، وقال، بلهجته الصعيدية: «شكلك مش بتاع شغل، خش شيل القصب مع الواد اللى جوه».
عمل الصحفى على مدى يومين في تنظيف الأحواض، ونقل القصب من المخزن إلى العصارة، التي تقوم بعصر القصب ونقله بواسطة ماسورة بلاستيكية إلى «أحواض التخزين»، وتقاضى الصحفى 50 جنيهًا في اليوم مقابل عمله.

«جاز» في طريق «العسل»
اكتشف الصحفى في البداية أن طريقة العصر بدائية جدًا، إذ يعتمدون على آلات عفى عليها الزمن، وتعمل هذه الآلآت بــ»الجاز» لتستمر في العمل لفترات طويلة، وتسقط لترات من الجاز في الماسورة البلاستيكية التي تنقل «العصير» إلى الأحواض في مشهد كارثي، فيما لم يحرك أحد العمال ساكنًا، حاول المحرر الاستفسار عن سبب صمت العمال عن سقوط الجاز ليمتزج بعصير القصب، فقال عامل يدعى «رشدي»: «كله بيروح في الغلي»، وكان يقصد أن مرحلة غلى القصب، تمحو تأثير الجاز في عصير القصب»، وعندما حاول الصحفى معرفة مصدر معلومته تلك قال «رشدي» بكل ثقة «المعلم فايز قال لي».
أحواض تخزين القصب عبارة عن مبانٍ من الطوب الأحمر والأبيض المعروف باسم «البلوك»، لأنها بتعيش أكتر بحسب المعلم فايز.

مراحل صناعة «السرطان»
العمل في المصنع يبدأ من السابعة صباحًا وحتى الرابعة عصرًا، بحضور 9 عمال يخصص المصنع 2 منهم لنقل القصب من المخزن إلى المصنع، ويقوم 2 آخران بعصر القصب، و3 عمال للإشراف على مرحلة غلى العسل، ويخصص عاملا لإشعال النيران أثناء مرحلة غلى العسل، ويستعين صاحب المصنع بـ» قشر القصب»، لإشعال النيران أثناء مرحلة الغلي.
بعد مرحلة الغلى يضيف المعلم فايز مادة الميثانول إلى العسل، ويرجع السبب وراء إضافة مادة الميثانول إلى تعلق مستعملى العسل بالمنتج، مع الأخذ في الاعتبار أن المصنع لا يحتوى على أي وسائل أمان للعاملين به، ما يعرض حياتهم للخطر.
بعد عملية تخزين القصب في الأحواض، ينقل عبر ماسورة إلى أحواض الغلى، ويستمر بها حتى ساعة، وبعدها ينقل إلى مرحلة أخرى، وهى أحواض التبريد، ومن ثم مرحلة الفلترة، وتتم عملية النقل من خلال فتحة حديدية أسفل الحوض يتم فتحها ليمر منها العسل إلى الحوض الآخر، وهى تعد من أخطر المراحل، إذ يسقط بها فئران وقوارض في هذه المرحلة، نظرًا لعدم وجود أدنى وسائل الأمان بالمصنع، ومن ثم ينقل العسل إلى أحواض التخزين، وسط مراقبة شديدة من المعلم فايز، الذي لا يفارق العمال.
تجدر الإشارة هنا إلى أنه أثناء عمل «الصحفى» داخل المصنع عرف من العمال أن المصنع يحصل على محصول القصب من أراضى صاحبه «فايز» الذي يمتلك مساحات من الأراضى الزراعية، مزروعة بالقصب.

«عائلة العسل الأسود» تقع في «فخ السرطان»
حالة سليمان لم تكن هي الوحيدة، إذ أصيب الحاج ربيع الغيطى، من أبناء قرية الرحمانية وثلاثة من أطفاله بمرض السرطان، بعد تناولهم العسل الأسود، لمدة طويلة، ويحصل «الغيطي» وعائلته على «كورسات» علاج من السرطان، في جامعة أسيوط، حيث يذهب إلى هناك مرة كل أسبوعين للمتابعة مع الطبيب، الذي أخبره باحتمال أن يكون العسل الأسود، أصابه بمرض السرطان، حال وجود مواد كيميائية خطيرة، مثل مادة الفورمالدهيد، وأن البكتيريا الموجودة في العسل قد تسبب مرض الدرن إذا استعمل لفترات طويلة.

نتائج التحليل.. غير صالح للاستخدام الآدمى
حصل الصحفى على عينة من العسل خلال مرحلة عمله، توجه بها، إلى معمل البحوث الدقيقة في كلية العلوم بجامعة القاهرة، وأثبتت التحاليل أن عينة العسل، لا تصلح للاستخدام الآدمى إطلاقا، وأكدت التحاليل أن العينة تحتوى على نسبة بكتيريا عالية جدًا ونسبة تخمر عالية جدًا أيضًا، ونسبة عالية من الإثانول، فضلًا عن احتواء العينة على بكتيريا عنقودية، وبكتيريا برازية، وبكتيريا القولون، ونسبة من الأعفان بلغت 7 أعفان في الجرام الواحد، وعدد الخمائر بلغ 138 في الجرام الواحد بالإضافة إلى مادة الفورمالدهيد التي تسبب السرطان.
من جانبها علقت الدكتورة رشا نبيل، الأستاذة بكلية العلوم جامعة القاهرة، أن نتيجة التحاليل أثبتت أن من يتناول العينة سيصاب بأمراض خطيرة، خاصة إن امتدت فترة استخدام العسل، إذ أنها قد تسبب تآكلًا في أجهزة الجسم الداخلية، خاصة الرئة والكبد.
الميثانول هو من الكحوليات، تناوله له تأثيران أولهما إدمان استعمال العسل على المدى القصير؛ لأنها مادة كحولية، بحسب الدكتور هانى الناظر، رئيس المركز القومى للبحوث الأسبق، الذي أضاف بقوله: «استعمال العسل لفترة طويلة، يصيب المستخدم بفشل كلوي».

جهاز حماية المستهلك «مالناش في الرقابة»
أما سعاد الديب عضو مجلس إدارة جهاز حماية المستهلك، وأكدت أن «الجهاز غير مسئول عن الإشراف على المشروعات «غير المرخصة»، ولا تعد من مسئولية الجهاز، بحجة أن الجهاز غير قادر ماليًا على تحليل العينات التي تنتجها مصانع العسل «بير السلم».

5 سنوات سجنًا لـ«أصحاب العسل الفاسد»
من جانبه قال المستشار زكريا شلش، نائب رئيس محكمة الاستئناف المصرية: إنشاء مصانع دون ترخيص، يعرض صاحبه للمساءلة القانونية، وفقًا للمادة الثانية من القانون رقم 281 لسنة 1994، على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تتجاوز الخمس سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تتجاوز الثلاثين ألف جنيه أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر.
الأولى: كل من غش أو شرع في أن يغش شيئًا من أغذية الإنسان أو الحيوان أو من العقاقير أو النباتات الطبية أو الأدوية أو من الحاصلات الزراعية أو المنتجات الطبيعية أو من المنتجات الصناعية معدًا للبيع وكذلك كل من طرح أو عرض للبيع أو باع شيئًا من هذه الأغذية أو العقاقير أو النباتات الطبية أو الأدوية أو الحاصلات أو منتجات مغشوشة كانت أو فاسدة أو انتهى تاريخ صلاحيتها مع علمه بذلك.
الثانية: كل من صنع أو طرح أو عرض للبيع أو باع مواد أو عبوات أو أغلفة مما يستعمل في غش أغذية الإنسان أو الحيوان أو العقاقير أو البيانات الطبية أو الأدوية أو الحاصلات الزارعية أو المنتجات الطبيعية أو المنتجات الصناعية على وجه ينفى جواز استعمالها استعمالا مشروعًا بقصد الغش وكذلك كل من حرض أو ساعد على استعمالها في الغش بواسطة كرأسات أو مطبوعات أو بأى وسيلة أخرى من أي نوع كانت.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تتجاوز السبع سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تتجاوز الأربعين ألف جنيه أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر إذا كانت الأغذية أو العقاقير أو النباتات الطبية أو الأدوية أو الحاصلات أو المنتجات المغشوشة أو الفاسدة أو التي انتهى تاريخ صلاحيتها أو كانت المواد التي تستعمل في الغش ضارة بصحة الإنسان أو الحيوان.
وتطبق العقوبات المقررة في هذه المادة ولو كان المشترى المستهلك عالمًا بغش البضاعة أو بفساده أو بانتهاء تاريخ صلاحيتها.

وزارة الداخلية.. ننتظر مساعدة الأهالي لـ«ضبط المصانع غير المرخصة»
اللواء هانى عبد الطيف، المتحدث الرسمى لوزارة الداخلية سابقًا، من جانبه أوضح أن «الوزارة لا تدخر جهدًا في حماية المواطنين، وأنها أغلقت العشرات من المصانع غير المرخصة لحماية المواطنين، وأنها تعمل حاليا في هذا الصدد، لردع الخارجين على القانون»، مطالبًا المواطنين بإبلاغ الأجهزة الأمنية بأماكن وجود هذه المصانع.



خطورة الإيثانول
يعتبر الميثانول واسع الاستخدام كوقود وكمذيب عضوي، كما يدخل في عملية غش الخمور نظرًا لرخص ثمنه بالمقارنة بالمشروبات الكحولية المقطرة.
وتُعزى النسبة الكبرى من حالات التسمم بالميثانول إلى تعاطيه كبديل للمشروبات الكحولية من قِبَل المدمنين أو من خلال استهلاك خمور جرى غشها بإضافة الميثانول إليها، ويرجع الأثر السام للميثانول إلى تحوله في جسم الإنسان إلى فورمالدهيد وحمض فورميك بواسطة إنزيم نازع هيدروجين الكحول بالكبد.


خصائص وأضرار الميثانول
الميثانول مادة سامَّة قاتلة تنتج من الغاز الطبيعى ويستخدم كمادة مضافة للوقود، يدخل في صناعة بتروكيماويات، ويستخدم كوقود نظيف لمصانع توليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه، وهذه أهم خصائصه:
يتحطم مركب الميتانول في الجسم إلى الحمض الفورمى «Formis acid» والفورمالدهيد Formaldehyde، السام جدًا، وفى الطبيعة يكون مصحوبًا دومًا بالإيثانول «Ethanol»، الذي يبطل مفعوله السمّي، وينطلق مركب الميثانول الحر والسام من الأسبرتام عند تسخينه في درجة حرارة 30 مْ، وللميثانول تأثير ضار في العيون وفى الكبد والدماغ وأعضاء أخرى ويعمل على تثبيط الجهاز العصبى المركزي، ويعتبر سامًا في حالة مستويات التركيز العالية، حيث يسبب تلفًا للجهاز العصبى المركزى بالجسم، وينتهى التعرض الزائد بصورة خاصة إلى فقدان رد الفعل، الحساسية تجاه الضوء وفقدان البصر.


مادة الفورمالدهيد
حذرت الحكومة الأمريكية قبل أسابيع، من خطورة المادة الكيميائية الفورمالدهيد (الفورمالين) وضمتها إلى قائمة المواد المعروفة التي تسبب السرطان وحذرت من استخدامها أو التعرض لها، وفى تقرير أعده العلماء لعرضه على وزير الصحة والخدمات الإنسانية حذروا من أن أولئك الذين يتعرضون للفورمالدهيد بدرجة كبيرة تتزايد لديهم مخاطر الإصابة بسرطان الأنف والبلعوم وسرطان الدم ومختلف أنواعه الأخرى.
وقال التقرير الخاص بالمواد المسرطنة: «توافرت لدينا في الوقت الحالى أدلة كافية من الدراسات التي أجريت على البشر، والتي تؤكد أن الأفراد الذين يتعرضون بدرجة كبيرة للفورمالدهيد تتزايد لديهم مخاطر الإصابة بأنواع نادرة من السرطان»، والفورمالدهيد مادة كيميائية عديمة اللون وقابلة للاشتعال وذات رائحة نفاذة تستخدم بكثرة في صناعات الراتنجات واللدائن المستخدمة في المنازل مثل بعض المنتجات الخشبية التخليقية وأنواع الطلاء المختلفة والبلاستيك والألياف المصنعة ومواد تجهيز المنسوجات.
ويشيع استخدام الفورمالدهيد أيضًا كمادة حافظة في المعامل والمشرحة وبعض المنتجات الاستهلاكية ومنها منتجات فرد الشعر. وأضاف التقرير الذي وضعه البرنامج القومى للسموم أن مادة ستايرين أضيفت أيضًا إلى قائمة المواد المسببة للسرطان، والستايرين مادة كيميائية تستخدم في تصنيع منتجات مثل المطاط والبلاستيك والمواد العازلة والألياف الزجاجية والأنابيب وبعض قطع غيار السيارات واوعية حفظ الأغذية، كما يوجد «الستايرين» في أدخنة السجائر، وانتقد المجلس الأمريكى للكيمياء وهو إحدى المؤسسات في قطاع الصناعة هذا التقرير، وقال إن القلق يساوره من احتمال أن تكون السياسة قد طغت على مجال التصنيع.

"نقلا عن العدد الورقي.."
Advertisements
الجريدة الرسمية