رئيس التحرير
عصام كامل

الكلام فيه سم قاتل !


حادث تسمم المئات في مدينة الإبراهيمية محافظة الشرقية شأنه شأن حوادث كثيرة تقع تسبب حالة ارتباك شديدة للحكومة وكل المسئولين المعنيين، وبعد كل حادث لا نعرف –غالبا– كيف حدث ولماذا حدث وأين الحقيقة فيما حدث ؟! لكن المؤكد أن الدنيا بتمشي وتعود الحياة إلى سيرتها الأولى.. قدر الله وما شاء فعل.. والحمد لله أنها جت على قد كده.. الناس خرجت بالسلامة والذي انتقل إلى جوار ربه لم يكن بسبب التسمم.. الرجل مات بسبب آخر.. تعددت الأسباب والموت واحد !! احنا ناس طيبين لا نقف كثيرا أمام الأسئلة، ولا ننتظر أجوبة طالما الحكاية عدت على خير!!


لذلك عندما تقع كارثة –لا قدر الله– نبدأ من أول السطر ومثلما يقول الكتاب.. إذاعة الخبر لأنه لن يستطيع أحد التعتيم عليه في زمن الإنترنت واليوتيوب والمواقع الخبرية الإلكترونية، ولأن الناس امتلكت قدرة التواصل بأدوات التكنولوجيا الحديثة، ثم وكما يقول الكتاب الرسمي الحكومي البيروقراطي القديم العميق تخرج التصريحات سريعة كالقذائف الصاروخية الموجهة تقول لا علاقة للماء بالتسمم..لا علاقة للفوسفات بالتسمم.. مياه النهر نظيفة ومحطات التنقية تعمل بكفاءة والعينات كلها سلبية.. نحن أبرياء براءة الذئب من دم يوسف.. إنهم أخوته الذين يكيدون له كيدا.. وها هو المسئول يقف أمام الكاميرا لتسجل له لقطة وهو يشرب الماء في كوب نظيف تري من خلاله بلعوم المسئول يستقبل الماء الزلال!!

هكذا تمت المعالجة.. معالجة الأزمة وليس معالجة الماء.. وخرج معظم الذين تسمموا بسلامة الله.. الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.. لكن هل عرفنا كيف تسمم الناس ومن أي شيء تسمموا ؟! الحقيقة لا، والحقيقة أن أحد لن يقول لنا شيئا.. وبلاش نفتكر ونعيش في اللي فات..خلينا في بكره..يمكن يكون أفضل.

المشكلة أن المسئولين من حيث أرادوا غسل أيديهم وتبرئة أنفسهم.. أدانوا أنفسهم بكلامهم وتصريحاتهم حيث أجمعوا أن التسمم جاء من شرب ماء الجراكن التي يبيعها البعض ويشتريها الناس.. بل ألقوا اللوم على الناس لماذا يشترون ماء الجراكن الفاسد أو الملوث، ولا أدري هل فهم المسئولون أن شراء الناس ماء الجراكن هو نوع من الرفاهية مثلا، وأن هؤلاء الناس لديهم قدرة مالية لشراء الماء باللتر ؟ والحقيقة المرة أن الناس تلجأ لذلك لأنها لا تجد الماء متوفرا لديهم.. إيه اللي رماك على المر!!

وبالفرض أن الناس تشتري ماء الجراكن.. كيف تسمح الحكومة البهية للبعض بعمل محطات أهلية دون إخضاعها للرقابة الصحية، وكيف تركت هؤلاء الفسدة يتاجرون بصحة الناس، وهل استفاقت الحكومة فجأة أم أن هذه شماعة ضمن شماعات كثيرة في دولاب العمل الحكومي؟!

ما حدث ذكرني بتسمم تلاميذ المدارس من بسكويت الوجبة المدرسية العجيبة.. وبالذات البسكويت، وفي كل مرة يطلع التلاميذ هم الغلطانين لأنهم أكلوا البسكويت!!

ولأن الكلمة نور وبعض الكلمات قبور ففي الكلام سم قاتل أشد قسوة من مغص في المعدة وأكثر ألما من القيء والإسهال.. الكلام الكاذب الذي يقوله البعض، والكلام الملتبس الذي يقصده البعض، والسم الذي يدسه البعض في شراب المانجو أو الفراولة كما يدسون الكلمات بين الكلمات فتبدو حقا.. وهو حق يراد به باطل.. هؤلاء هم من أقصدهم، ومنهم الكاتب فهمي هويدي الذي كتب في قضية التسمم وقضية إنكار بعض المسئولين للحقيقة كما كتبت، لكنه أراد أن يدس السم في العسل وهو يكتب عن واقعة التسمم فقال في مقاله ( لأنه في ظل الوضع القائم في مصر الآن جرى تسييس مختلف المؤسسات الرقابية والعدلية، بحيث باتت أشد حرصا على مراعاة الأجواء السياسية فيما تصدره من قرارات) والحقيقة أنا لا أري مبررا لاتهام الجهات الرقابية والقضاء في هذا المقام غير أن هويدي يمارس تضليل الرأي العام ويزعزع ثقة الناس في الجهات الرقابية والقضاء زاعما أن كل شيء يتم تسييسه في هذا الوطن وهي دعوة خبيثة وتدليس مفضوح !
m.elazizi@hotmail.com
الجريدة الرسمية