رئيس التحرير
عصام كامل

المفعول لأجله السياسي


لا أعلم لماذا ارتبط بذهني كراهية المفعول لأجله منذ صغري، ولم يكن بيني وبينه أي عمار، ربما لأن المعلم ببساطة قد شرحه لنا مؤكدا على أن لكل شيء تبريرا، والمفعول لأجله هو قمة التبرير في اللغة.. لذلك كان بالنسبة لى صدمة تراكمت معي.. لأنني منذ الصغر وحتى الآن لم أقدم تبريرا لماذا أحب هذا أو أكره تلك، فتقديم سبب مبرر للآخر حتى يقبلك ضمن قطيعه كنت أراه نفاقا من الطرفين.


فأنا أحب الله، هكذا أحبه بلا سبب أما لو قدمت سببا فهذا يعد نفاقا دينيا واجتماعيا وكذبا وتدليسا لإعطاء رونق وغطاء لحبي المبرر، ومع الأسف تعج ثقافتنا بالأسباب غير المنطقية التي تصل لحد السفه المبرر، فالقتل مبرر لو كان مع معارض، وسرقة الشعوب مبررة باسم الشريعة. الزنا مبرر لو باسم جهاد النكاح. الغزو مبرر لو باسم الفتح. الكذب وهتك الأعراض وطمس الحقائق كلها مبررة لو باسم الله سبحانه وتعالى. الخلافة القائمة على أركان الإرهاب مبررة باسم داعش.

في اعتقادي أن العلاقة القائمة على التبرير هي علاقة ضالة ومسارها يتم عبر مدرجات الإرهاب الفكري وممارساته المغلوطة، فهل تعلمنا؟ لا، في كل مرة نكرر الدرس، وفي كل مرة نمرر نفس التبرير ولم نتعلم. نمر على كوارث تاريخنا مرور الكرام ملتمسين الأعذار قابلين أي تبرير غير منطقي لأي فعل أسود شوَّه معالمنا وإنسانيتنا وزرع فينا جينات الدموية والتعصب والفرقة والإرهاب.

نحن نصنع مرة أخرى سفاحا جديدا، ونبكي بنفس الخسة على دم الشهيد الجديد. نحن نصنع الخراب في بلادنا ونحرقها وندمرها ونرهب كل صوت وكل عقل يرفض هذه الصناعة. صناعة داعشية من إنتاج ثقافتنا وسكوتنا عن ممارسات العنف والحقد والغل، ونبذ الآخر المختلف معنا في المعتقد حتى لو من نفس الدين. طفح هذا المسخ بحياتنا ليس في زيه الديني المحض، بل أخذ أبعادا سياسية أكثر توغلا وتوحشا في هدم الإسلام باسم الإسلام. وترك أعداء الإسلام وقتل المسلمين الموحدين في هدم وخراب بلاد الإسلام بهدف إقامة دولة الإسلام. وما يحدث الآن من أصحاب الرايات السوداء ودولتهم في العراق وسوريا ليس بجديد، فالجذر والمنبت واحد.

أدرك كل العالم عوار ما في ثقافتنا من سحرية المفعول لأجله لتبرير كل أفعالنا الدموية باسم الإسلام.. تم استغلال الكراهية بداخلنا لكل ما في الحضارة الإنسانية وتم تصديرنا للحرب بالوكالة عن أمريكا ضد روسيا تحت مسمى براق "المجاهدين الشيشان وأفغانستان" وفتحت أبواب بعض سفاراتنا العربية لتصدير شبابها مؤمنة بسحرية التبرير العربي الخاضع لقانون المصلحة الدولية الفاعل دائما، وما نحن له إلا في موقع المفعول المخجل. كلنا باركنا هذه الهمجية التي ترتع بداخلنا باسم الله.

الكل خاف واستسلم لديكتاتورية بلاده، وتحالف كل من يرفع راية متأسلمة مع نظامه حتى لا يكون مصير بلاده مثل العراق. هذا كان في العلن، لكن في الخفاء، كلنا لعبنا ألعابا قذرة في العراق المغدور به، وهاهو الدور قد يصيب اليمن التعيس.

نحن ظلمنا ثقافتنا وإسلامنا ومجتمعاتنا ولغتنا، وظلمنا المفعول لأجله، لاختصار شرحه للصغار على أنه قمة التبرير للأفعال السيئة،.. ولكني مُصر على كراهيتي لتحوير السبب إلى لغة تبريرية، لتبرير فرضية وجوب العيش في زمن ليس بزماننا.!

ويبقى الطرح البحثي الأهم والأخطر الذي يجب أن نشغل بالنا به ألا وهو البحث عن آليات الموضوعية والتدقيق والعلمية لطرد الفكر الهمجي من ثقافتنا وتراثنا وحاضرنا... لماذا كل هذا العداء لمظاهر الحياة؟ وهل رب الحياة يأمرنا بذلك؟
الجريدة الرسمية