رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

محمد الفيتوري.. "أرقد كالماء في جسد النيل"


"لا تحفروا لي قبرًا.. سأرقد في كل شبر من الأرض.. أرقد كالماء في جسد النيل.. أرقد كالشمس فوق حقول بلادي.. مثلي أنا ليس يسكن قبرا"، ندرك أن صاحب هذه الكلمات لا يعترف بأقفاص السكون، بل عبر بكلماته خارج حدود الزمان والمكان، جال حاملا أشعاره ينثرها كما تنثر السماء أمطارها وقت الشتاء، تحتضنها الأوراق الخضراء لتزداد لمعانا، وتلفظها بيوت ملأت الثقوب سقفها.


رحل الشاعر السوداني محمد الفيتوري، كما عاش في المنفى، بعيدا عن السودان، بعدما أسقطت عنه حكومة جعفر نميري الجنسية السودانية وسحبت منه جواز السفر السوداني في عام 1974، لا لشيء إلا لأنه شاعر يرفض السكون، وأزعجت قصائده النظام آنذاك.

تبنته الجماهيرية الليبية بعدها وأصدرت له جواز سفر ليبيا، لعلاقته الوثيقة بالعقيد معمر القذافي، وبسقوط نظام القذافي سحبت منه السلطات الليبية الجديدة جواز السفر الليبي، فأقام بالمغرب مع زوجته المغربية رجات في ضاحية سيدي العابد، جنوب العاصمة المغربية الرباط.

ومنذ العام 1974م عاش الفيتوري بلا أوراق سودانية، لكن في العام 2014م عادت الحكومة السودانية ومنحته جواز سفر دبلوماسيا، لكنه لم يتسلمه رسميا.

85 عاما هي حياة الشاعر صاحب البشرة السمراء، فهو المولود في 24 نوفمبر عام 1936م، في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور بالسودان، ووالده هو الشيخ مفتاح رجب الفيتوري وكان خليفة صوفي.

يعتبر الفيتورى جزءًا من الحركة الأدبية العربية المعاصرة، ويعد من رواد الشعر الحر الحديث، ففي قصيدة «تحت الأمطار» نجده يتحرر من الأغراض القديمة للشعر كالوصف والغزل، ويهجر الأوزان والقافية، ليعبر عن وجدان وتجربة ذاتية يشعر بها وغالبًا ما يركّز شعره على الجوانب التأملية، ليعكس رؤيته الخاصة المجردة تجاه الأشياء من حوله مستخدمًا أدوات البلاغة والفصاحة التقليدية والإبداعية.

وتعد أفريقيا مسرحا أساسيًا في نص الفيتوري الشعري، شكلت فيه محنة الإنسان الأفريقي وصراعه ضد الرق والاستعمار ونضاله التحرري أهم الموضوعات التي تناولتها قصائده، وألف عدة دواوين في هذا المضمار منها ديوان "أغاني أفريقيا" الصادر في عام 1955، و"عاشق من أفريقيا" وصدر في عام 1964م، و"اذكريني يا أفريقيا" ونشر في عام 1965، وديوان "أحزان أفريقيا" والصادر في عام 1966، حتى أصبح الفيتوري صوتَ أفريقيا وشاعرها.

وكان للزعيم الراحل عبد الناصر نصيب من شعر الفيتوري، فكتب عنه قائلا: "عبد الناصر..أيدي الفقراء على ناقوس الثورة.. والفقراء غرباء ومصلوبون..زحموا الباب العالى..ومشوا فوق البسط الحمراء وحاكم مصر يطأطئ هامته بعد الخيلاء..إذ أنت عرابي الواقف تحت الراية.. ذو الصوت الآمر..إذ أنت الراية يا عبد الناصر..إذ أنت الثورة والشعب الثائر".
Advertisements
الجريدة الرسمية