رئيس التحرير
عصام كامل

حكمة سن زواج السيدة عائشة رضي الله عنها


احتج أهل العلم بصحة حديث سن زواج السيدة عائشة رضي الله عنها في التاسعة من عمرها بالنبي صلى الله عليه وسلم والذي كان في السابعة والخمسين من عمره تقريبا، واحتجوا بدافع حكم عرف الزمان، وبالبحث والتحري عن عرف ذلك الزمان تبين الآتي:


أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده من البنات أربع، زينب ولدت قبل البعثة بعشرة سنين، ورقية ولدت قبل البعثة بسبع سنين، وأم كلثوم وكانت أصغر منها، ثم أصغر أولاده فاطمة والتي ولدت قبل البعثة بخمس سنوات، والقارئ للسيرة النبوية يعلم أن الرسول الكريم تزوج السيدة خديجة رضي الله عنها وهو في سن الخامسة والعشرين، وبعثته كانت وهو في الأربعين، على ذلك فبناته وجميع أولاده ولدوا ما بين سن الخامسة والعشرين والخامسة والثلاثين، فلما بعث وأمره الله أن يصدع بدعواه في العام الثالث من البعثة كانت بناته سوى فاطمة في ذلك الوقت متزوجات، زينب وكانت متزوجة بابن أبى العاص وكانت عندها ثلاث عشرة سنة ورفض مفارقتها بعد إسلامها، ورقية كانت متزوجة عتبة بن أبي لهب وكانت في العاشرة من عمرها وطلقها قبل الدخول بها بعد الجهر بالدعوة، وأم كلثوم كانت متزوجة عتيبة بن أبي لهب وكان عندها ثماني سنين تقريبا وطلقها بعد الجهر بالدعوة، على ذلك فلم يكن زواج السيدة عائشة في ذلك السن خارجا عن المألوف. ونتساءل كيف تعقل البنت في تلك السن مسئولية الزواج ؟ أليس من المفترض أن النبوة المحمدية تهجر ذلك لما هو أفضل للإنسانية ؟ نقول وعلى الله قصد السبيل.

أولا: عرف العرب: اعتاد العرب بطابع الفطرة على محبة الذكور عن الإناث، وكانوا ينظرون إليهن باحتقار، وكان الأب يوصف بالعار، فكان يسعف نفسه إذا لم يئدها بأن يجعلها في كنف الزوجية، ليتخلص من عار الأبوة، فاعتاد العرب على تربية بناتهن في كنف أزواجهن فينخلع عنهم العار بشرف تزويجهن والمصاهرة، أما تزويج رسول الله لبناته في تلك السن فكان بحكم العادة لا بحكم التحرج من أبوته لهن.

ثانيا: البيئة الاجتماعية: لم تكن الحياة الاجتماعية متكلفة ولم تظهر أعباء المسئوليات الملقاة على عاتق المرأة والتي نقيس عليها في زمننا، فضلا عن وجود فكرة العبيد والخدم والجواري عند معظم قبائل العرب وكانوا يتحملون عبء القيام بتلك المسئوليات.

ثالثا: الحفاظ على الأرحام والنظام الاجتماعي لما أوحى الله لرسول الله بالمنام بالزواج بالسيدة عائشة رضي الله عنها تحرج من فارق السن الكبير الذي لم يكن حتى عند بناته من أزواجهم، ومن أراد فهما فلينظر إلى حاله وتحرجه لما أمره الله بالزواج بالسيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها لما أراد الحق سبحانه إبطال حكم التبني، فأعادها الله عليه مناما تلك الرؤية بزواجه بالسيدة عائشة رضي الله عنها، فقال صلى الله عليه وسلم إن يكن يمضه الله، فلما ذهب لخطبتها من أبي بكر رضي الله عنه تحرج منه هو الآخر، وقال بلسان حاله له إنها مثل ابنتك مظهرا له ذلك بالقول إنهما إخوة، ولم يرد أبي بكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه، وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها في سن السادسة حال الخطبة، وعقد عليها وهي في التاسعة من عمرها بعد الهجرة، فكانت حكمة الله أن يسن له صلى الله عليه وسلم الزواج ببكر بمفهوم عادة عرف العرب والتي كانت في مثل هذه السن، حتى لا يهجر المسلمون الزواج بهن بحكم الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم والذي لم يتزوج إلا الثيب من النساء، فلو هجر رسول الله البكر لفضلت الأمة الثيب على البكر منهن.

رابعا: الخروج التدريجي: لما كان الأمر متجذرا في عادات وعرف العرب، كتجذر فكرة العبيد والتي نفر الإسلام منها نفور لين، فأقر الفكرة وحث في نفس الوقت على تحرير الرقاب، فكذلك الأمر في سن الزواج أقر فكرة الزواج في هذه السن للاعتبارات السابقة، ونفر نفور لين منه، أما الإقرار لهذه السن فكان لحفظ النظام الاجتماعي القائم والمستقر بالزواج العفيف بمفهوم الزمن في ذلك الوقت، وإلا لانهدم كيان الأسرة السوية عند كثير من المسلمين، فشاركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لرفع الحرج وتقنين ذلك الأمر، وحتى يكون قدوة في التعامل لمن تزوج بكرا في تلك السن كيف يكون التعامل حتى لا يجور عليها وهي في مثل تلك السن.

أما الخروج التدريجي بالتوجيه النبوي فتجلى لما أراد أبو بكر وعمر رضي الله عنهما خطبة السيدة فاطمة رضي الله عنها فردهما ردا جميل بالقول لهما إنها صغيرة مع العلم أنه كانت في نحو الثمانية عشرة من عمرها تقريبا وزوجها للكرار سيدنا على والذي كان في العشرينات من عمره بعد غزوة بدر بسنتين، ونقول لو كان مقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها صغيرة في العموم ما كان ليزوجها بأبي بكر ولا عمر ولا على رضي الله عنهم ولكنه كان مقصده أنها صغيرة على أبي بكر وعمر رضي الله عنها لفارق السن لذلك زوجها لعلي بن أبى طالب لأن فارق السن لم يكن كبيرا، فكان ذلك أول توجيه لين لرفع سن الزواج تدريجيا ولبيان أن تلك السن أفضل للإناث لاكتمال ثمرتها بالكلية، ودليل ذلك جلي بمقام السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها فمن المعلوم أنها سيدة نساء العالمين وهي من الكوامل الأربع من النساء، فاختيار سن زواجها في الثامنة عشرة هو من مظاهر الكمال الملحقة بشخصيتها فيصح القدوة بسن زواجها رضي الله عنها لكمالها عن غيرها.
الجريدة الرسمية