رئيس التحرير
عصام كامل

فجأة كبرت في دماغه يتصوَّر سيلفي!


فجأة كبرت في دماغ حضرته، هوب راح مطلَّع التليفون اللى المفروض إنه أصلًا ميكونش مع سيادته في المكان ده، ورَفَعه لفوق، وقام مشغَّل الكاميرا الأمامية، وضرب الصورة السيلفى وهو في قلب حُجرة العمليات، والمريض يا عينى راقد لا حول له ولا قوة، ومصارينه طالعة، أو قلبه مفتوح، أو طُحاله على المشاع، لكن إيه المانع يعنى؟!


حاجات غريبة على مُجتمعنا الحقيقة، لكنها في نفس الوقت صارت من المُسلَّمات، الناس بتتصوَّر سيلفى في كُل الظروف والأماكن، على القهوة، في النادي، وهُما بياكلوا، وهُما نايمين، وهُما لا مؤاخذة برضو مفيش مانع، وهوب ارفع على فيس وتويتر وإنستجرام على سبيل الروشنة، لست ضد ذلك على الإطلاق خالص بتاتًا، فمن حق المواطن إنه يتصوَّر بالأمامية أو حتى بالخلفية، وبأى حجم هو حُر، لكن الغريب إن دكتور يعملها وهو في حُجرة العمليات، وكما قُلنا شيىء عجيب أصلًا إنه يدخُل أوضة العمليات بالتليفون المحمول، طيب لو التليفون رَن هايعمل إيه؟!

أصل الدكتور لما بيدخُل أوضة العمليات شايل تليفونه، فهو أكيد هايستعمله، أكيد مش شايله عياقة، ناهيك عن قُدرة التليفون المحمول أحيانًا على التشويش على بعض الأجهزة في المكان، واحد يقول لى يعنى إنت هاتفهم أكتر من الدكتور نفسه؟ أقول له في الطبيعى لأ، لكن هل أصلًا حضرته بيفهم؟ وهل فيه حد بيفهم مُمكن يتصرَّف بالشكل ده، وبعدين يرجع يقف ويعترض ويمنع إنقاذ المرضى أو علاجهم علشان يُطالب بالكادر والزيادة والمُكافآت والعلاوات؟ أكيد وقتها هايكون الدافع بتاعه إنه عاوز يجيب تليفون أحدث، علشان يقدر يتصوَّر سيلفى أفضل مع كبدة المريض صاحب العملية اللى بعدها!

طيب لو التليفون رَن؟ أكيد هايرُد عليه، وأهلًا حبيبتى، إزيِّك واحشانى، أو أيوا يا ماما، أخبارِك إيه؟ أنا تمام، أو نعم يا مدام؟ عاوزة إيه وأنا مروَّح؟ مخلل لِفت ورُز بسمتى ولحمة مفرومة؟ المُهم إن الرد هايكون له محتوى أكيد، ويمكن هو واخد التليفون معاه علشان يغيَّر الحالة على الفيس بوك كُل شوية، أو يضرب له تويتة أو اتنين على تويتر، أو زى ما عمل، يتصوَّر سيلفى ويرفع هوب على إنستجرام طوالى، كُلَّها أمور مفهومة طبعًا، أومال هو الموبايل معمول ليه؟!

العجيب في كُل الأحوال والاحتمالات القائمة دى إن أخونا الدكتور باشا، اللى شايل موبايله في أوضة العمليات، وأكيد ناوى ينشغل عن الشُغل بالموبايل والسيلفى والإنترنت، إن هو نفسه بيعترف إنه مش هايكون مشغول أثناء إجراء العملية الجراحية، يعنى حضرته ببساطة ملوش أي لزوم في هذا المكان، ولو كان له لزوم كان مسك له مقص، مشرط، فوطة، أو حتى قعد يتابع المريض ويعمل بلُقمته، وجايز حَد يقول لى ده دكتور تخدير، يعنى ملوش دور أثناء إجراء العملية مثلًا، طيب داخل يعمل إيه؟ وهل لو حصل أي طارئ محتاج لتدخُله، هل ساعتها هايسيب السيلفى ويتدخَّل، واللا هايكتب على الفيس الأول إنه ناوى يتدخَّل، وجايز يعمل استطلاع رأى للفريندز أو الفانز بتوعه، أتدخَّل واللا بلاش، أو احتمال قائم وربنا إنه يستغل الموبايل استغلال مُفيد ويطلب الإسعاف للمريض الغلبان!

عارف إن كلامى ده هايزعَّل دكاترة كتير، لكن طبيعى اللى يزعل، لازم يكون من عيِّنة صاحبنا ده، الناس بتاخُد الطب رسالة سامية، أو حتى وسيلة شريفة أو سلوى للحصول على الفلوس، لكن الباشا اللى واخد الطب مجال لأنه يخترع لنا نوعا جديدا من الشذوذ الاجتماعى أو الصحى أو حتى السيلفى ده، فهو أمر في الحقيقة مُريع ومُخيف، ومش بعيد أبدًا الموضوع يتطوَّر أكثر وأكثر، أو بالأصح يتدهوَر، وبُكره نلاقى واحد حانوتى متصوَّر لنا سيلفى مع جُثة.. الطف بينا يا رب!
الجريدة الرسمية