رئيس التحرير
عصام كامل

مذكرات سمير زاهر: "مبارك" استخدمنا لـ"كسر الحظر على البشير" ( الأخيرة )


  • أعلنت استقالتى من فندق "البارون" وفوجئت بـ"الجنزوري" يعلن "إقالتى بالتلاتة" 
  • المشير "طنطاوي" نصحنى بـ"إقالة المعلم" بعد "خروجنا من تصفيات أمم 2012" 
  • عرفت بـ"كارثة بورسعيد" من التليفزيون... و"الأمن" لم يحذرنا من إقامة "الماتش" 
  • كنت "بصلي ركعتي شكر" بعد كل مباراة بسبب "شغب الألتراس" والمظاهرات 
  • قررت الرحيل بعد "المذبحة".. وقلت لأعضاء مجلس الإدارة: "ورقنا سليم"
  • بلاتر قال لى: الـ«فيفا» ورائي ولا يمكن للحكومة أن تقيل اتحاد الكرة
  • هذه حقيقة "عربيات الخرطوم" 

"رمى حجرًا وأمعن ثم ولّى، ولم يترك دليلًا أو محلا، وعاذ بما تبقى من حياء، وشكّل يومه ثم استقل، وقال: أموت، لكن لست أحني على كتف الزمان الرأس ذلا، لأن الموت لوّن كل شيء، وألقى بين أعظمنا عروقه، لأن اللون في دمنا ضباب، لأننا أخطأنا طريقه، لأن العمر يأتي عند يوم ويعلن بين أيدينا مروقه، أرد إلى العيون شعاع أمسي، وألقي في حُميّاها بريقه، ومن جسدي النحيل أشد جسرًا لكل العابرين إلى الحقيقة".

هنا.. قرر الكابتن سمير زاهر رئيس اتحاد الكرة الأسبق التوقف عن الحديث.. الذكريات لم تنته.. لكن الرغبة في الكلام من الممكن أن تكون هي السبب.. ومن الممكن ألا تكون.."زاهر" تحدث عن سنوات ملخصها "أنه رجل المواقف الصعبة".. وأنه أيضا "سايبها على الله".. وصل لـ"أعلى درجات المسئولية"، وحصل على أعلى درجات "الشعبية".. لكنه في النهاية قال: "ده فضل ونعمة من ربنا".
"زاهر" اتخذ من "الصراحة" أسلوب حياة، نجح في مرات عديدة، والفشل صاحب في مرات أقل، رفع من البداية شعار "اليأس خيانة" فأصبح "سمير زاهر" يدرك أن الحكاية "خطوات محسوبة" فقبل السير في طريقه "راضيا مرضيا".. وقد كان.

لماذا قررت كتابة مذكراتك؟
قبل أن نسدل الستار، بالحلقة العاشرة من "حكايات سمير زاهر" قررنا أن نعود به لـ"نقطة البداية" وطرحنا عليه السؤال التقليدي، "لمَ تكتب مذكراتك".. لكن الإجابة لم تكن تقليدية، حيث قال، بعدما ردد السؤال لأكثر من مرة: «لماذا فكرت في المذكرات؟»: مذكراتي هي خطة نجاح لأي مسئول يجلس على الكرسي سواءً أكان وزيرا أم حتى رئيس اتحاد كرة.. مذكراتي قصة نجاح من وجهة نظري في التصميم على النجاح مهما كانت العقبات.. لقد تمت إقالتي أكثر من مرة وأعود أقوى من المرة الأولى.. قصتي نموذج حياة أتمنى أن يستفيد منه جيل الشباب الطامح في حياة أفضل.. قصتي هي كفاح طويل وعدم الارتكان إلى أنك ابن ذوات أو رجل غني ولكن الاندماج في الحياة شيء جميل.. أتمنى ألا أكون قد أثقلت عليكم.. تحياتي.. سمير زاهر".
وإلى هنا ننتقل لتفاصيل الحلقة العاشرة والأخيرة التي بدأها "الكابتن سمير" بقوله: توقفنا في الحلقة الماضية عند الخسارة في المباراة الفاصلة أمام الجزائر والخروج من المونديال ولم يكن أمامنا سوى أقل من شهرين على بطولة الأمم الأفريقية بأنجولا وفي قمة الأحزان فوجئنا بدعوة الرئيس مبارك إلى الإفطار وحديثه معنا عن ضرورة الخروج من هذه الحالة النفسية السيئة، كما أمر المهندس حسن صقر رئيس المجلس القومى للرياضة – وقتها- بصرف مكافآت اللاعبين والجهاز الفني وتلبية كافة طلباتهم، والحقيقة أن هذا اللقاء كان له مفعول السحر في نفوس الجميع سواء من اللاعبين أو أفراد الجهاز الفني ومجلس إدارة اتحاد الكرة وبدأنا نعيد ترتيب الأفكار وأكثر المتفائلين لا يتوقع الفوز ببطولة الأمم الأفريقية لثالث مرة على التوالي، وطبعا ظهرت أصوات تطالب برحيل حسن شحاتة بعد الخروج من المونديال والتي كانت تعارض من البداية استمراره ولكن لقاء مبارك أسكت الجميع وأخرس كل الألسنة.
 
"جدو" كلمة سر "الفراعنة" في أنجولا
ذهبنا إلى أنجولا نمني أنفسنا بخروج مشرف لحامل اللقب وكانت خبرات آخر بطولتين أفادتنا، كما أن عناصر الخبرة داخل المنتخب كانت متواجدة، هذا كله بجانب العناصر الجديدة التي أضافها المعلم لتشكيلة الفريق، وكان أبرزها اللاعب الذي ضمه حسن شحاتة في آخر معسكر قبل البطولة وهو محمد ناجي «جدو» وتعرض لهجوم شرس بسبب هذا اللاعب القادم من الاتحاد السكندري وإذا باللاعب يصبح حديث العالم وأصبح ينزل أي مباراة ويسجل لدرجة أننا كنا ننتظر لحظة تبديله لأننا أصبحنا على قناعة بأنه يحمل تميمة حظ مصر.
مباراة وراء مباراة حتى وصلنا إلى النهائي أمام منتخب غانا العريق وجدو لا يزال كلمة السر في الدقائق الأخيرة لنرفع الكأس للمرة الثالثة على التوالي لدرجة أبهرت العالم، في هذه الأثناء دخل الفراعنة ضمن أفضل عشرة منتخبات على مستوى العالم في تصنيف الـ«فيفا» بعد أن أصبحنا التاسع، شيء لا يصدقه عقل بعد أن أصبحنا العشرة الكبار على مستوى العالم وهنا وعلى المنوال تمت مضاعفة راتب الجهاز الفني للمنتخب وحصل اللاعبون على مكافآت كبيرة، ولك أن تتخيل أن يلاعب الفراعنة منتخب البرازيل ونحصل على عائد ٦٠٠ ألف دولار في المباراة التي أقيمت بقطر ووصلنا مع شركة الملابس الرياضية لعرض خيالي وأرقام مرعبة لكن تبخرت الأحلام ولم تعد الأيام مثل الماضي بعد أن أصبحت الأيادي مرتعشة والجميع يرفض المغامرة.

تكريم السودان لـ"كسر الحظر"
بعد الفوز بالأمم الأفريقية طبعا لم يكن هناك تكريم مثل تكريم حاكم دبي ومسئولي الإمارات بعد بطولة ٢٠٠٨ لكن حدثت انفراجة حيث جاءت إلينا تعليمات من الرئاسة بالسفر إلى السودان للتكريم من قبل الرئيس عمر البشير، وأتذكر أنه في هذه الأثناء كان هناك قرار من الأمم المتحدة بفرض الحظر على الرئيس السوداني ولم تجد مؤسسة الرئاسة أفضل من سفر المنتخب إلى هناك لكسر الحظر وبالفعل ذهبنا والرئيس عمر البشير قلدني وشاح النيل وهو وسام «راق» في السودان وكرم اللاعبين والجهاز الفني بمبالغ مالية، نعم لم تكن في حجم ولا مقياسا لما عليه الإمارات ولكنه تكريم محترم، لكن ما أفسد متعة التكريم هو نتيجة المباراة الودية التي كانت بين فريقنا ومنتخب السودان ليلة حفل التكريم حيث خسرنا برباعية نظيفة وانهالت علينا معاول الهدم فضلا عن انتشار الشائعات قبلها بأن كل لاعب حصل على سيارة من الرئيس السوداني وأعضاء مجلس إدارة الاتحاد سيحصلون على كذا وتناسوا أن هناك قرارا من وزارة الرياضة بعدم الحصول على أي مبالغ مالية لأي عضو مجلس إدارة وفي حالة ذلك يتم رد "الفلوس" لخزينة الدولة.

السقوط بدأ من "الخرطوم"

من هنا وبالتحديد في السودان بدأت رحلة الهبوط والخسائر ودخلنا تصفيات أفريقيا المؤهلة لنهائيات الأمم الأفريقية وفعلا بدأت النتائج تهتز بعد أن تم اتهامنا بأننا الموالون لنظام مبارك وهو شرف لا ندعيه، نعم مبارك ساعدنا لما وصلنا إليه وليس لنا علاقة بالسياسة وبدأت أصوات أعداء حسن شحاتة ترتفع والنتائج لا تساعده حتى كانت مباراة جنوب أفريقيا بالقاهرة والفوز وحده يضمن لنا استمرار المنافسة في التأهيل، لكننا تعادلنا وتم إعلان خروج حامل اللقب من نهائيات الأمم، أدافع عنه طيلة ٧ سنوات حققنا فيها ما لم تحققه كل الاتحادات على مدى تاريخ اتحاد الكرة وقلت أستشير المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري والمكلف بإدارة شئون البلاد بعد رحيل مبارك فقال لي حسن شحاتة "لازم يمشي ويبقى كويس لو استعنتم بمدرب أجنبي".. طبعا كانت كلمات المشير بمثابة قرار حاسم لا بد من اتخاذه ودعوت مجلس إدارة الاتحاد للاجتماع وأخذنا قرارا بتوجيه الشكر للمعلم وجهازه المعاون وبدء مرحلة البحث عن مدرب أجنبي رغم أنني على قناعة تامة بأن الأجانب لن يقدموا شيئا للكرة المصرية وتسلمنا العديد من السير الذاتية لعدد كبير من المدربين لكننى فضلت الأمريكي بوب برادلي الذي كان قد ترك منتخب أمريكا بعد مونديال جنوب أفريقيا فالرجل حقق نجاحات مع منتخب بلاده وأيضا عن خبرة كافية بالفريق المصري بعد أن واجهه في مونديال القارات وكنت مقتنعا بإمكاناته، لكن سوء الحظ حالفه بعد أن حدثت كارثة بورسعيد وتوقف النشاط لمدة عام كامل ورغم ذلك فالرجل قاد المنتخب للمباراة النهائية في تصفيات المونديال وكان بمقدوره الوصول لولا أشياء كثيرة ولم يسمع أحد كلامي.. قلت لمجلس إدارة اتحاد الكرة "لازم تغروا نجوم المنتخب الوطني بمكافآت ضخمة" حتى وصلت لمليون جنيه للاعب وأنا قادر أن أجمع هذه الأموال وطالبتهم بذبح عجل قبل مباراة الذهاب والعودة لكن لم يسمع أحد كلامي وكأني أقول لهم كلاما غريبا وبدأنا «مين اللي هيدفع ثمن العجل» ومين اللي يورط نفسه في موضوع مكافأة المليون ؟ فكانت النتيجة خسارة ثقيلة في غانا ١ - ٦، وكان من الممكن أن تعوض في العودة وقت لم يسمع كلامي أحد "لحد ما ضاع الحلم وخرجنا من المونديال".

الليلة التي بكى فيها "شوبير"

في تلك الآونة كانت الأوضاع شائكة للغاية وأزمة مع كل مباراة واعتصامات هنا وهناك والأوضاع مشتعلة بين جروبات الألتراس وكل مباراة تمر أصلي لله شكرا على أن المباراة انتهت وطبعا قبلها جاءت إلينا تعليمات بضرورة إلغاء الهبوط للقسم الثاني بعد أن هبط الاتحاد السكندري وهو الذي يمثل المدينة الثانية في مصر بعد القاهرة.. ثم جاء الدور على لقاء الأهلي والمصري والمحدد له بـ«بورسعيد» قبلها كانت هناك الأمور العادية حيث الجروب على جروبات فيس بوك لكن للحق لم يحذرنا أحد وفي مثل هذه الظروف كان الأمن يطلب تأجيل المباراة أو أي شيء من هذا، يوم المباراة كنت في البيت أتابعها والأمور تسير على ما يرام، رغم أن الأجواء ملتهبة لكن المحصلة أن المصري نجح في تحقيق أكبر فوز في تاريخ لقاءاته على الأهلي وهنا أغلقت التليفزيون واعتبرت أن كل شيء تمام، لكن التليفونات بدأت تنهال عليّ بأن هناك أزمة في بورسعيد فعقلي ذهب إلى أنها خناقة عادية وعدت لفتح التليفزيون لأجد "شوبير بيعيط والدنيا مقلوبة إيه اللي حصل؟".

استقالة أم إقالة..أنا والجنزوري "للمرة الثالثة"
"بيقولوا ناس كثيرة ماتت ولم أكن أتخيل كل هذه الأعداد".. بدأت أستشعر أن لحظة الرحيل قد حانت وعندما اتصلوا بي في كل القنوات الفضائية قلت إننا سنستقيل وكان هذا بعد أن علمت بحجم الكارثة ومن واقع المسئولية الأدبية، ولكن كل أوراقنا سليمة بدليل أنني شاهد في القضية ولم تقع مسئولية على أحد من اتحاد الكرة ثم فوجئنا في الصباح بالدكتور كمال الجنزوري في ثالث مرة يعلن إقالة اتحاد الكرة وفي هذه الأثناء تلقيت اتصالا هاتفيا من جوزيف بلاتر يقول لي إن الـ«فيفا» ورائي ولا يمكن للحكومة أن تقيل اتحاد الكرة ولكن أبلغته بالعدد الذي راح ضحية المباراة فقال لي إن القرار هو قرار مجلس إدارة اتحاد الكرة.

وبالفعل قمت بدعوة مجلس إدارة اتحاد الكرة لاجتماع عاجل وطارئ بعيدا عن مقر الاتحاد وبالتحديد في فندق البارون للتشاور في الأمر وكان هناك عدد من أعضاء مجلس إدارة الاتحاد يرفض الاستقالة ولكن كنت وصلت في هذه الفترة إلى حالة من «القرف» من كل شيء واستفزني منظر القتلى وقلت لهم إنني سأستقيل ومن يرغب في عكس ذلك فليخرج للرأي العام فاستقر الجميع على الاستقالة.
والحق أنني لست مع الآراء التي قالت إن موضوع بورسعيد كان مؤامرة وإن أطرافا خارجية تدخلت لتدبير الكارثة والحقيقة أنها "خناقة" وشحن جماهيري زائد عن الحد كانت نتيجته تزايد أعداد القتلى نتيجة لأشياء كثيرة.. وهنا رحلت في هدوء بعيدا عن صخب اتحاد الكرة وضجيج الشهرة وأنا على قناعة في هذا الوقت بأنني لن أقدم أكثر مما قدمته ولن يساعدني أحد فرحلت عن قناعة تامة ورضا بالأيام التي قضيتها في اتحاد الكرة. 

قصة مرضي وعودتي للحياة
بعد الرحيل من الجبلاية بدأت أشعر بالتعب والإرهاق ووصلت في إحدى المرات إلى حد الإغماء وأنا في اتحاد الكرة وتم نقلي لمستشفى الأنجلو بجوار الجبلاية ومكثت فيه عدة أيام حتى استقرت حالتي ولم أكن أشعر بما أعانيه إلا بعد الخروج من الاتحاد، ثم فوجئت بالآلام تزداد واتفق الأطباء على ضرورة التدخل الجراحي وبالفعل أجريت عملية جراحية ثم عملية جراحية ثانية وهنا شعرت بأنها النهاية ولكن زوجتي وأولادي صمموا على ضرورة نقلي للعلاج في لندن وتم إنهاء الإجراءات في زمن قياسي من أجل العلاج في لندن وذهبت إلى هناك وجلست أكثر من ٤ شهور وأنا لا أشعر بمن حولي في العناية المركزة وفقدت أكثر من نصف وزني ولكن دعوات المحبين وأهلي وأسرتي كانت ورائي لأعود إلى الحياة من جديد وأبدأ رحلة العلاج الطبيعي لاسترداد أنفاسي.. وفعلا صدق من قال إن المحنة تعرفك «حبيبك من عدوك» فأناس كثيرون زاروني في المستشفى واطمأنوا عليّ و"ناس عملت معاها كتير" ولم تسأل عني لكن الحمد لله بدأت أسير على قدمي وأعود للحياة تدريجيًا حتى منّ الله عليّ بالشفاء.
الجريدة الرسمية