رئيس التحرير
عصام كامل

نفتح الشباك أم نقفله !!


مصر خرجت من المعادلة العربية.. الدور المصري يتراجع عربيًا.. مصر فقدت تأثيرها في محيطها العربي.. أين ذهب الدور المصري في أفريقيا ؟ تراجع دور مصر الإقليمي.. مصر تركت مساحات لدول صغيرة في المنطقة تلعب فيها وتسحب البساط من تحتها.. مصر انكفأت على نفسها ولم تعد قادرة على القيادة.. دول إقليمية تزيح الدور المصري من قضايا الأمة العربية.. مصر تتخلى عن دورها التاريخي في المنطقة!! عبارات كانت تطلقها ألسنة مصرية في فترات سابقة من منصات داخل مصر وخارجها، وما زال البعض منهم يطلقها حتى الآن !


مصر الشقيقة الكبرى.. مصر الريادة والقوة.. مصر الجغرافيا والتاريخ.. مصر الفكر والرقي.. مصر الشهامة والمروءة.. مصر صاحبة أكبر سجل من التضحيات من أجل قضايا الأمة العربية.. مصر العروسة والننوسة.. مصر أم الدنيا وحتبقي أد الدنيا.. مصر لازم تتبوأ مكانها الطبيعي في المنطقة.. كلام جميل ورائع نردده في كل لحظة نفخر ونعتز به.. لكن يبدو أننا نقوله مجرد كلام.. ويبدو أننا لا نعرف الثمن الذي علينا دفعه حني يصبح ما نقوله حقيقة وواقعًا.

هذا كلام وما سبقه كلام آخر، وكل الكلام عن مصر.. والحقيقة أن مصر احتارت واحتار دليلها، والبسطاء في هذا الوطن احتاروا وكادوا يفقدون البوصلة لولا ستر ربنا الذي ألهمهم الصواب والرشاد فلم ينساقوا وراء ترهات البعض من مثقفي هذا الزمن الرديء الذي يباع فيه كل شيء حتى الأوطان، ولم ينساقوا وراء أصحاب الأجندات أو الفاترينات المضيئة الذين يبعون الخوف والعدم بثمن بخس وإن وصل الملايين من الدولارات، ولم يصدقوا شائعات تنطلق كالسهام القاتلة صوب عقولهم فتفقدهم القدرة على حب هذا الوطن والخوف عليه من السقوط. 

فبينما كان يرى البعض تراجع الدور المصري في كل شيء، فإذا بهم يفتون في عضد مصر وهي تستعيد دورها العربي والإقليمي بخطى ثابتة وواثقة، ويشككون في كل شيء تسعى إليه مصر على كل الأصعدة سياسيًا واقتصاديًا، وكأنهم يريدون لهذا البلد أن يظل عليلا سقيمًا لا يقوى على الحركة والنهوض، ولا يموت.. هؤلاء يطالبون هذه الأيام أن تنكفئ مصر على نفسها.. لا تشارك ولا يعلو صوتها، وتتقوقع داخل حدودها، ويستدعون من التاريخ أحداثًا لا تنطبق على ما يجري الآن.. هؤلاء يعرفون أن مصر القوية تدافع دائمًا عن نفسها خارج حدودها.. عليهم فقط قراءة التاريخ قبل وضع السم في العسل ليشربه المصريون !

ويرى البعض الآخر أن الريادة والدور الإقليمي يجب أن يذهبا لمصر هكذا مجانًا ودون ثمن، وأن مصر حتبقي أد الدنيا بالكلام والمشاعر الفياضة، والأغاني الوطنية والرومانسية، وأن مصر تتولى قيادة المنطقة وهي غير مؤهلة للقيادة !! هؤلاء يعرفون جيدًا أن لكل شيء ثمن لابد من دفعه، وأن الريادة والقيادة والدور العربي والإقليمي والأفريقي الذي نريده للوطن له فواتير كبيرة وباهظة لابد من تسديدها.

هؤلاء وهؤلاء وجهان لعملة واحدة.. الوجه الأول لا يحبون لمصر أن تأخذ دورها ومكانتها ويحبون دائمًا انتقادها وإسقاطها معنويًا ولا فرق بينهم وأعدائها، لذلك يطلقون الشائعات لتضليل الناس وتخويفهم، والوجه الثاني يحبون لمصر أن تستعيد دورها بلا مقابل ولا تضحية ولا عمل جاد يجعلها أد الدنيا.. الوجهان في النهاية لعملة رديئة غير قابلة للتداول أو الصرف !!

إذا كنا جادين وراغبين أن تستعيد مصر دورها فعلينا أن نعلم أن هناك فاتورة يجب سدادها وثمن علينا دفعه من الدماء والأرواح، وأن نواجه بكل قوة كل خفافيش الظلام التي تدعو إلى التخاذل والتراجع ثم تعود لتتطاول على مصر وتصفها بالدولة الضعيفة التي فقدت دورها ونفسها.. من الآخر إما أن نفتح الشباك، وإما أن نغلقه، ونغلق معه أفواهنا.. أما حالة الانفصام التي نعيشها فلم تعد صالحة أو مجدية وقد تحولنا إلى دولة فاشلة يعيث فيها الإرهاب فسادًا.
m.elazizi@hotmail.com
الجريدة الرسمية