رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«مستريح» لكل قرية


يخطئ من يظن أن فضح أمر النصاب أحمد المستريح يضع نهاية لتوظيف الأموال، وهي، بالمناسبة، ليست سذاجة من الشعب "الغلبان والمغلوب على أمره" بقدر ما تعنيه من تبلد العقل الحكومي، فما كان لمصري أن يخرج مرغما من "تحت البلاطة" ما لون حياته بالشقاء، لولا أنه عاش يتيما في بلده بأمر الحكومات المتعاقبة، وأسيرا لسياسات النصب باسم الحكم الرشيد تارة، وباسم الحكم الإلكتروني أخرى، والحقيقة أنها حكومات يسهل عليها الفوز بلقب الأفضل بين دول الغابة.


والغريب أن هناك من يشمت، وهم كثر، فيمن باع قيراط أرضه الذي لا يسمن ولا يغني إلا بالجوع، أو ذاك الذي تخلى عن "عشرة" جاموسته، ليلقي بثمنها في "حجر" المستريح، أملا في هدنة راحة من عذاب الفقر الذي يتلفح به الصعايدة والفلاحون على وجه الخصوص.

والحقيقة التي يخشى البعض البوح بها جهرا ويعلنها سرا أن "المستريح" موجود في كل قرية من قرى المحروسة، وإن كان مقنعا بوجوه مختلفة، مرة يتخذ من العقارات والبناء على الأراضي الزراعية مسرحا لجمع أموال البسطاء وتوظيفها لصالح ناطحاته المخالفة، وأخرى يخدعهم بإغراءات الاستثمار في البورصة مقابل فائدة شهرية، وثالثة يجذبهم بالمشاركة الوهمية في سيارات الميكروباص التي يملكها، بينما في الحقيقة يمنح ضحاياه لبعض الوقت مبلغا من المال تحت مسمى "نصيبهم من الشركة".

حفلة التشفي التي أقامها الجميع لضحايا "المستريح" تكشف قدرا لا بأس به من الجهل بالواقع المر، كان أولى بأصحابه توجيه اللوم إلى مسئولي الدولة قبل العتاب على من ألفوا غياهب قرى ونجوع مصر.. صحيح أن قلة منهم يستحقون الطرد من دائرة التعاطف، لامتلاكهم ملايين الجنيهات التي تسمح لهم باستثمارها في مشروعات، أو إيداعها بفائدة مقبولة نسبيا في البنوك، فبدلا من أن يكفيهم الله شر النصب فضلوا اللهث وراء مطامعهم.

لكن في المقابل ماذا كنتم تنتظرون من أناس أدارت لهم الدولة ظهرها، بلا حتى حد الكفاف، وليس الكفاية، من الخدمات والمتطلبات المعيشية، بل لم تترك لهم من سبيل للتكسب، فمثل هؤلاء لا تنتظر منهم أي إنتاج، وأخص بالذكر هنا على سبيل المثال فلاحيهم، فالترع أدمنت الظمأ، والزراعة أصبحت تجربة حية لمن يريد التعرف عن قرب على "جهنم الحمراء"، امتهانها إمساك بالجمر، فأسعار المستلزمات لم تعد في المتناول، والأدوات المستخدمة لا بد من معاقبة المقصرين في عدم ضمها إلى المتحف الزراعي حتى الآن، وفي نهاية رحلة العذاب لا يجد الفلاح غير تذوق مرارة حصيلة المحصول التي لا تغطي حتى التكلفة.. أليس بعد كل هذا يحق لهؤلاء أن يبيعوا بأبخس الأثمان كل ما يملكون، هربا إلى جنة شياطين النصب؟
يا سادة رفقًا.. قبل أن تتندروا على الضحايا، عاتبوا الحكومة على عدم تسليحهم بوسائل الحماية ضد انتهاك إنسانيتهم.
Advertisements
الجريدة الرسمية